الحكم وإنما يشبه أن يقال: إن بينة الملأ أعمل إن كان هذا الاختلاف بين البينتين بعد أن حلف وسرح؛ لأن البينة التي شهدت عليه بالملأ تكون هاهنا هي التي أوجبت الحكم- وهو رده إلى السجن، والله أعلم.
ورواية أبي زيد قد وقعت في كتاب المديان والتفليس في بعض الروايات، قال فيها: إنه لا ينظر إلى هؤلاء وإلى هؤلاء، ويدس في ذلك أهل الصلاح والفضل؛ فإن كان له مال ضيق عليه حتى يؤخذ منه الحق، وإن لم يكن له شيء خلي حتى يرزقه الله تعالى، فعلى هذه الرواية جعل البينتين متعارضتين تسقطان جميعا إذا استوت في العدالة، ويرجع إلى أصل حاله؛ فإن كان متهما بأنه خبأ مالا، حبس حتى يأتي ببينة على العدم أعدل من البينة التي شهدت عليه بالملأ، وإن كان إنما سجن تلوما واختبارا، أطلق إذا انقضت مدة اختباره على ما حكيناه عن ابن الماجشون من التفصيل في ذلك.
[فصل]
ومن أحاط الدين بماله فلا تجوز له هبة ولا صدقة ولا عتق ولا إقرار بدين لمن يتهم عليه، ويجوز بيعه وابتياعه- ما لم يحجر عليه؛ وكذلك له أن ينفق على زوجه وعلى كل من يلزمه الإنفاق عليه، وأن يتزوج من المال الذي بيده ما لم يضرب على يديه ويحجر عليه فيه، وليس له إن جنى جناية عمدا فيها القصاص أن يصالح بما بيده من أموال غرمائه- على رفع القصاص عن نفسه، ولو كانت الجناية خطأ أو عمدا لا قصاص فيها، كان ذلك له؛ وإن وهب أو تصدق- وعليه ديون كثيرة، وبيده ما لا يدري أن كان يفي بما عليه من الديون أم لا، فالهبة والصدقة جائزة حتى يعلم أن ما عليه من الدين يستغرق ماله، قاله ابن زرب، واحتج على ذلك برواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب الرضاع في الذي يدفع إلى المطلقة نفقة سنة، ثم يفلس بعد ستة أشهر، أنه إن كان يوم دفع النفقة قائم الوجه جائز الأمر ولم يظهر من فعله سرف ولا محاباة؛ فذلك جائز وبالله التوفيق.