محفوظ عن ابن عباس من وجوه كثيرة. روي عنه أنه قال ما أبالي قبلت امرأتي أو شممت ريحانة. وإلى هذا ذهب أهل العراق وحجتهم ما روي «عن عائشة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقبلها ثم يخرج إلى الصلاة فلا يتوضأ». وقَوْله تَعَالَى:{أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}[النساء: ٤٣] قالوا فالملامسة مفاعلة من اثنين فلا يكون إلا الجماع. وقيل إن المراد به ما دون الجماع من القبلة والمباشرة واللمس، وهو قول عبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود. وتأول إسماعيل القاضي مثله على عمر بن الخطاب في قوله إن الجنب لا يتيمم، وقال به جماعة من التابعين، وإليه ذهب مالك وأصحابه. والدليل على ذلك أن الله عز وجل قد ذكر في أول الآية {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}[المائدة: ٦] فلو كان معنى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}[النساء: ٤٣] الجماع لكان مكررا لغير فائدة ولا معنى. ودليل آخر وهو أن لفظ الملامسة حقيقة في اللمس باليد ومجاز في الوطء، وحمل الكلام على الحقيقة أولى من حمله على المجاز. ودليل ثالث وهو أن الملامسة واقعة على التقاء البشرتين، فإذا كانت كذلك لم يخل اللمس باليد من أن يكون أولى بإطلاق هذا الاسم عليه من الجماع فيقتصر عليه، أو أن يكون هو وغيره من أنواعها سواء فيجب حمل الظاهر على عمومه في كل ما يقع عليه الاسم، ولأن الآية قد قرئت أو لمستم النساء، ولا خلاف أن ذلك لغير اللمس باليد فصح ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
[فصل]
فإذا ثبت أن الملامسة ما دون الجماع من القبلة والمباشرة واللمس باليد فلا يخلو ذلك من أربعة أوجه: أحدها أن يقصد بهذه الأشياء إلى الالتذاذ فيلتذ، والثاني أن لا يقصد بها إلى الالتذاذ ولا يلتذ، والثالث أن يقصد بها إلى الالتذاذ فلا يلتذ، والرابع أن لا يقصد بها إلى الالتذاذ فيلتذ.
[فصل]
فأما الوجه الأول وهو أن يقصد بها إلى الالتذاذ فيلتذ فلا خلاف عندنا في إيجاب الوضوء لوجود الملامسة التي سماها الله ووجود معناها وهو الالتذاذ.