إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا». فكل ما يتراضى عليه المتصالحان فهو جائز ما لم يجر ذلك إلى تحليل حرام أو تحريم حلال، واختلف فيه إذا وقع: فقيل إنه يفسخ ويرد ولا يمضي وهو قول جمهور أهل العلم، وذهب أصبغ إلى أنه يجوز في وجه الحكم ولا يحل له فيما بينه وبين الله أن يأخذ إلا ما يجوز في التبايع؛ واحتج لذلك بما روي أن علي بن أبي طالب أتي بصلح فقرأه فقال: هذا حرام، ولولا أنه صلح لفسخته - والأول أصح، لثبوته عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قولا وعملا؛ فأما قوله فهو ما روي عنه في الصحيح أنه قال:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». وأما عمله وقضاؤه فهو ما حكاه مالك في موطئه من رواية أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني «أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال أحدهما يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله وقال الآخر الحديث بطوله إلى قوله:" أما غنمك وجاريتك فرد عليك» ". وأبطل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط.
[فصل]
والصلح إنما هو قبض شيء عن عوض، فهو يشبه المبايعة ويجري مجراها في أكثر الوجوه؛ فلا ينبغي أن يمضي فيه؛ الحرام كما لا يمضي في البيوع، ولا اختلاف إذا انعقد الصلح بين المتصالحين على حرام لا يحل لواحد منهما في أنه يفسخ، مثل أن يدعي رجل على رجل أن له عليه عشرة دنانير فيقر له منها بخمسة وينكر الخمسة، فيصالحه عن جميع دعواه بدراهم إلى أجل، وما أشبه ذلك؛ وإنما يختلف إذا انعقد الصلح على حرام في حق أحد المتصالحين دون صاحبه، مثل أن يدعي عليه عشرة دنانير فينكره فيها فيصالحه عنها بدراهم إلى أجل، لأن المدعي لا يحل له أن يأخذ في عشرة دنانير له دراهم إلى أجل، والمدعى عليه جائز له أن