واتفاق الخلفاء على وجوب الحيازة حجة، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ». وقد ادعى أصحابنا أن ذلك إجماع من الصحابة، لأن ذلك مروي أيضا عن أنس بن مالك وغيره، ولا مخالف لهم من الصحابة، وذلك صحيح بين من حديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لأنه قال بمحضر الصحابة ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا - الحديث، فلم ينكر عليه أحد منهم قوله ولا خالفه فيه، بل سكت الكل منهم وسلم، فدل على موافقتهم له على مذهبه.
[فصل]
وتجوز الهبة والصدقة على مذهب مالك - وإن كانت مجهولة أو مشاعة غير مقسومة، كانت مما ينقسم أو مما لا ينقسم؛ خلاف أهل العراق في قولهم إن الهبة والصدقة لا تلزمان بالقول ولا تجبان إلا بالقبض، وأن تكون مقسومة مفروزة معلومة غير مجهولة، وأن للواهب أو المتصدق أن يرجع في هبته وصدقته ما لم يحوزها؛ ومنهم من فرق في ذلك بين الهبة والصدقة، فألزم الصدقة - وإن لم تقبض، قالوا لأنه يراد بها وجه الله، وهو أحد قولي الشافعي؛ والصواب ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن هبة الغرر والمجهول جائزة كميراث لا يعلم كميته، والعبد الآبق، والبعير الشارد، والثمرة التي لم يبد صلاحها، لأنا إنما نهينا عن بيع الغرر، والهبة إنما هي على وجه المعروف والتبرر، لا يقصد بها تقامرا ولا تغابنا؛ وقد أجمع أهل العلم أن من أوصى بجزء من ماله الثلث فدونه - وهو لا يعرف مبلغه من الوزن والقدر، أنه جائز ماض، وهذا يرد قول من رد صدقة الحر في ثلثه مع قول النبي -