استقبال القبلة واستدبارها في القرى والمدائن من غير ضرورة إلى ذلك. والدليل على ذلك أنه أجاز مجامعة الرجل امرأته إلى القبلة ولا مشقة عليه في التحول عنها في ذلك. ويؤيد هذا المذهب حديث عائشة «استقبلوا بمقعدي القبلة». فالمعنى على هذا في النهي من أجل أن لله عبادا يصلون له، فإذا استتر في القرى والمدائن بالأبنية ارتفعت العلة. وكذلك على هذا لو استتر في الصحراء بشيء لجاز أن يستقبل القبلة لحاجته، وقد فعل هذا عبد الله بن عمر. روى مروان الأصفر عنه أنه أناخ راحلته مستقبل بيت المقدس ثم جلس يبول إليها، فقلت يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا؟ فقال إنما نهي عن هذا في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس به.
ولمالك في المجموعة أنه لا يستقبل القبلة لبول أو غائط في القرى والمدائن إلا في الكنف المتخذة لذلك للمشقة الداخلة عليه في التحول عنها. فالمعنى عنده على هذه الرواية في النهي إعظام القبلة، فلا يجوز له أن يجامع امرأته مستقبل القبلة على هذه الرواية إذ لا ضرورة إلى ذلك. ويحمل حديث ابن عمر أن اللبنتين كانتا مبنيتين ولم يصح عنده حديث عائشة أو لم يبلغه والله أعلم. وذكر أبو إسحاق التونسي أنه قد تؤول على ما في المدونة أنه أجاز مجامعة الرجل امرأته في الصحراء إلى القبلة، وهو بعيد والله أعلم.
[فصل في القول في الملامسة]
المعنى في الملامسة الطلب. قال الله عز وجل:{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا}[الجن: ٨] أي طلبنا السماء وأردناها فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا أي حفظة يحفظونها. «وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لرجل سأله أن يزوجه المرأة التي وهبت نفسها للنبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "هل معك شيء تصدقها قال ما عندي إلا إزاري هذا. قال فإن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك