وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن المسلم الحر يقتل بالذمي المعاهد وبالعبد تعلقا بظاهر قول الله عز وجل:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}[المائدة: ٤٥] وبظاهر قول الله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}[الإسراء: ٣٣] فقالوا هذا عام في قتل كل نفس محرمة القتل. وتأولوا قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقتل مسلم بكافر على أنه الكافر الحربي» وهذا كله خطأ فاحش. أما تعلقهم بقول الله عز وجل: أن النفس بالنفس فلا يصح لما قدمناه من أن الآية إنما كتبت على أهل التوراة وهم ملة واحدة لا ذمة لهم ولا عبيد كما للمسلمين، لأن الجزية فيء وغنيمة خص الله بها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعباده المؤمنين. وكذلك تعلقهم بقوله تعالى:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا}[الإسراء: ٣٣] لا حجة لهم فيه لأنه ليس على عمومه في كل من قتل مظلوما، لأن الحربي المستأمن محرم القتل وقاتله ظالم له، وهو مخصوص عندهم من عموم الآية لا يقتل به المسلم فيلزمهم مثل ذلك في الذمي المعاهد وهم لا يقولونه فقد ناقضوا أيضا بالسيد يقتل عبده فقالوا إنه لا يقتل به وخصصوه من عموم الآية وإن كان مظلوما بقتل سيده إياه. وناقضوا أيضا بالجراح لأنهم قالوا إنه يقتل الحر المسلم بالعبد والكافر، ولا يفقؤون عينه بعينه، وكذلك سائر الجراح وذلك في نسق الآية، فزعموا أن النفس تساوي النفس وأن اليد لا تساوي اليد. فإن كانوا أرادوا الجسم فالمساواة ظاهرة وإن كانوا أرادوا الجنس فالجنسان مختلفان.
[فصل]
وتأويلهم قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يقتل مسلم بكافر» على أنه أراد به الكافر الحربي من أبعد التأويلات وأبينها في الخطأ، لأن الحربيين قد أمر الله بقتلهم وجعل ذلك من أفضل الأعمال وأحبها إليه. فهل يجوز أن يتوهم متوهم أن من قتل من أمر الله بقتله ووعده على ذلك جزيل الثواب يجب عليه القتل حتى يحتاج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبين لنا أنه لا قود بيننا وبين أهل الحرب، هذا ما لا يشكل على أحد ولا يحتاج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بيانه.