ناس: إنه لا يؤكل صيد الكلب إذا أكل منه؛ لأنه إنما أمسك على نفسه. والذي ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وجميع أصحابه هو الصحيح، إذ لا فرق بين الكلب وسائر الجوارح، وقد جمع الله بينهما في كتابه. فقد أجمع أهل العلم أن قتل الكلب للصيد ذكاة له، فلا فرق في القياس بين أن يأكل من صيده بعد أن يقتله وبين أن يأكل شاة مذبوحة.
[فصل]
واعتلال من حرم أكله بأنه إذا أكل منه فإنما أمسك على نفسه لا علينا لا يصح؛ لأن نية الكلب لا يمكننا علمها. وقد يحتمل أن يمسك على نفسه ثم يبدو له فيترك الأكل، وأن يمسك علينا ثم يبدو له فيأكل. وإذا أرسلناه لا ندري هل يمسك على نفسه أو علينا، بل المعلوم منه أنه إنما يمسك على نفسه، ولو كان شابعا ما صاد، ولذلك يجوع ثم يرسل على الصيد. فإذا أمسك على نفسه فقد أمسك علينا، إذ لا يصح أن يظن أحد أن الكلب إذا أرسله صاحبه يمضي لمرسله بنية خالصة دون نفسه؛ لأن ذلك خلاف ما في طبعه من أن يفترس لنفسه. ولو كلفنا الله تعالى في تعليم الجوارح هذا لكلفنا نقل طباعها، وذلك ما لا يصح أن يقع التكليف به. وأيضا فقد أجمع أهل العلم أن الكلب المعلم إذا قتل الصيد كان أكله جائزا من غير أن ينتظر به حتى يرى إن كان يأكل منه أو لا يأكل ليستدل بذلك إن كان أمسك على نفسه أو علينا. وفي إجماعهم على ذلك دليل على ترك الاعتبار بأكله. وقد قال بعض من ذهب إلى هذا: إنه يختبر الكلب ثلاث مرات فإن لم يأكل أكل صيده، وذلك فاسد في القياس. وما روى شعبة عن عدي بن حاتم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:«إذا أكل الكلب فلا تأكل» قد خالفه فيه همام ولم يذكر هذه الزيادة. واللفظة إذا جاءت في الحديث زائدة لم تقبل إذا كانت مخالفة للأصول. وقد روى ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما تشهد الأصول بصحته، وهو أنه قال:«إذا أكل فكل»، وقال الشافعي: البازي والصقر والعقاب والكلب واحد لا يؤكل صيد