الاختلاف في قوله قتلت فلانا خطأ معلوم موجود فكيف إذا لم يثبت القول. ووقع الاختلاف في ذلك في الصلح من المدونة، مرة جعل إقراره بالقتل لوثا يوجب الدية على العاقلة بقسامة، مات مكانه أو كانت له حياة. ومعنى ذلك إذا لم يتهم أنه أراد غنى ولده كما قال في كتاب الديات. ومرة قال إن الدية عليه في ماله بقسامة، ومرة قال بغير قسامة، ولم يفرق بين أن تكون له حياة أو لا تكون. والاختلاف في وجوب القسامة إنما يتصور عندي إذا كانت له حياة. وأما إذا كان موته نقضا ولم يكن له حياة فإنما يجب عليه الدية في ماله بغير قسامة. هذا الذي ينبغي أن تحمل عليه الروايات، لأنه إذا جعل الدية عليه في ماله لما جاء من أن العاقلة لا تحمل الاعتراف، فإقراره إنما هو على نفسه، والاختلاف إنما هو في وجوب القسامة مع إقراره إذا كانت له حياة كالاختلاف في إقرار القاتل عمدا على نفسه إذا كانت للمقتول حياة والله أعلم.
[فصل]
وقول الميت دمي عند فلان لم يختلف قول مالك إنه لوث في العمد يوجب القسامة والقود عدلا كان أو مسخوطا، وتابعه على ذلك جميع أصحابه والليث بن سعد، وخالفهم في ذلك جمهور أهل العلم، واستدلوا لمذهبهم بقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو يعطى الناس بدعاويهم» الخبر ". وقالوا حرمة المال أخفض من حرمة النفس، فإذا لم يقبل إقراره عليه بالمال فإقراره عليه بالدم أولى ألا يقبل، وهذا كله لا يلزم. أما الذي استدلوا به فلا دليل لهم فيه لأن المدعي للدم الطالب له هو ولي المقتول فلم نعطه بدعواه، وإنما أعطيناه بما انضاف إليه من قول المقتول. وأما قولهم إن قوله إذا لم يقبل في المال فأحرى ألا يقبل في النفس فليس بصحيح، لأن أصل موضوع القسامة إنما هي لحراسة الأنفس وإنما يطلب فيها الشبهة، واللطخ لإيجاب القصاص الذي هو حياة الأنفس. قال الله عز وجل:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: ١٧٩] والدليل على صحة قول مالك قول الله عز وجل: