وكذلك اختلفت الآثار عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هل أفرد الحج أو قرن أو تمتع اختلافا كثيرا. والذي ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أنه أفرد الحج على ما روي عن «عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة ومنا من أهل بالحج، وأهل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحج. فأما من أهل بعمرة فحل وأما من أهل بالحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر ..» وفي حديث عائشة هذا دليل على إباحة التمتع والقران، ولم يختلف أهل العلم في ذلك، وإنما اختلفوا في الأفضل، فذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلى أن إفراد الحج أفضل على ما روي عن عائشة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفرد الحج» وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة. وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال في قول الله عز وجل:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}[البقرة: ١٩٦] قال: من تمامهما أن تفرد كل واحدة منها عن الأخرى، وأن يعتمر في غير أشهر الحج، فإن الله عز وجل يقول:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}[البقرة: ١٩٧] وروي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أنه قال: إذا جاء حديثان مختلفان عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبلغنا أن أبا بكر وعمر عملا بأحد الحديثين وتركا الآخر كان في ذلك دلالة على أن الحق فيما عملا به. وذهب آخرون إلى أن التمتع بالعمرة إلى الحج أفضل، وهو مذهب عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس. ومنهم من ذهب إلى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان متمتعا، وهو قول سعد في الموطأ للضحاك بن قيس: بئس ما قلت يا ابن أخي، قد صنعها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصنعناها معه. «وقول حفصة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك فقال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر». وقول عبد الله بن عمر في الموطأ أيضا، وقد أهل أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع بالعمرة، ثم قال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا». وذهب من صحح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرن إلى أن