النار، وإيمان يؤمن به من دخول النار. فالإيمان الذي يؤمن به من دخول النار هو الإيمان الذي لا معصية معه، والإيمان الذي يؤمن به من الخلود في النار هو الإيمان الذي معه المعاصي. فالزاني والسارق في حال السرقة والزنا ليس بمؤمن الإيمان الذي يؤمن به من دخول النار؛ لأنه في تلك الحال مصر على المعصية غير تائب منها، فإنما نفي عنه على هذا التأويل الإيمان الممدوح. وقد كان بعض الشيوخ يرويه لا يشرب بكسر الباء على معنى الأمر يقول إذا كان مؤمنا فلا يشرب الخمر ولا يسرق ولا يزن. وقد قيل في معنى الحديث إن الإيمان لما كان مضمناته التصديق بالوعيد بالعقاب على هذه الكبائر صار كالمناقض للشهوة الباعثة عليها فأيهما غلب صاحبه نفاه. فلما كان مرتكب الكبائر في حال ارتكابه إياها قد غلبت شهوته تصديقه وخوفه جاز أن يوصف بانتفاء الإيمان عنه على ضرب من التوسع والمجاز. وقد قيل إن معنى الحديث إنما هو فيمن زنى أو سرق وهو مستحل لذلك.
والتأويل الثاني في معنى زيادة الإيمان بزيادة الأعمال ونقصانه بنقصان الأعمال أنه يزيد بتكراره بفعل الطاعة لأن الطاعة لا تكون طاعة إلا مع مقارنة الإيمان لها، فإذا كثر عمله زادت أجزاء إيمانه بتكررها، وإذا نقص عمله نقصت أجزاء إيمانه على قدر ما كانت تكون لو كثر عمله. وهذا كما يقال نقص ماء العين وزاد. على هذا التأويل لا يخرج الكلام عن الحقيقة إلى المجاز بخلاف التأويل الأول؛ لأن حقيقة المراد بالزيادة في الشيء هو أن يضاف إليه غيره، وحقيقة المراد بالنقصان منه هو أن ينقص منه بعض أجزائه. وأما الشيء الواحد فلا ينقص في نفسه ولا يزيد في نفسه لأن ذلك من المحال.