بالغسل المرفقين والكعبين، وإنما عليه أن يبلغ إليهما لأن إلى غاية، وهو الأظهر، إلا أن إدخالهما في الغسل أحوط لزوال تكلف التحديد. ومن قال بإيجاب غسلهما قال إلى بمعنى مع، وذلك موجود في اللسان، قال الله عز وجل:{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}[آل عمران: ٥٢] أي مع الله. وقال:{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}[النساء: ٢]، أي مع أموالكم. وقد قال المبرد: إن الحد إذا كان من جنس المحدود دخل فيه، فتقول بعت الثوب من الطرف إلى الطرف، فالطرفان داخلان في البيع. ويلزم من قال في آية الوضوء إن إلى بمعنى مع أن يوجب غسل اليدين إلى المنكبين؛ لأن العرب تسمي ذلك يدا.
وأما قول الله عز وجل:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}[المائدة: ٦] فاختلف في هذه الباء فقيل إنها للتبعيض، وقيل إنها للإلزاق وليست للتبعيض. فأما مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فذهب إلى أن الواجب مسح الرأس كله، وأن من قصر عن ذلك وجبت عليه الإعادة، كمن قصر عن غسل بعض وجهه خلافا لأبي حنيفة والشافعي، وقال محمد بن مسلمة إن مسح ثلثيه أجزأه، وقال أبو الفرج إن مسح ثلثه أجزأه. وقال أشهب في بعض روايات العتبية إنه لا إعادة على من مسح مقدم رأسه. والدليل على صحة قول مالك قول الله تبارك وتعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}[المائدة: ٦] كما قال في التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ}[المائدة: ٦] فلما لم يجز الاقتصار في التيمم على بعض الوجه دون بعض [كان الرأس كذلك. وكذلك الطواف بالبيت لا يجوز أن يقتصر في الطواف على بعضه دون بعض]، وإن كان الله يقول في كتابه:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج: ٢٩] لأن الباء إنما دخلت للإلزاق لا للتبعيض. ومن الدليل على صحته أيضا أن الاستثناء يصلح فيها لو قلت امسح برأسك إلا ثلثه جاز، كأنك قلت