{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}[النساء: ٢٤]، واستدل أيضا بعض من ذهب إلى هذا المذهب يقول الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد
وهذا لا دليل فيه، لأن معنى قوله: إنما هو أن ولد بنيه الذكران، هم الذين لهم حكم بنيه في الموارثة والنسب؛ وأن ولد بناته ليس لهم حكم بناته في ذلك، إذ لا ينتسبون إليه، وإنما ينتسبون إلى غيره، فأخبر بافتراقهم في الحكم، مع اجتماعهم في التسمية، ولم ينف عن ولد البنات اسم الولد، لأنه إنما قال وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد، فاستدل من قوله من احتج به على أنه أراد: وليسوا بأبنائنا، وليس في هذا نفي اسم الولد عنهم، وإنما هو من لطيف الاستعارة، كما يقول الرجل في ولده: ليس هو بابني، إذ لا يطيعني ولا يرى لي حقا. فلا يريد بذلك نفي اسم الولد عنه، وإنما يريد به أن ينفي عنه حكمه، ومن استدل بهذا البيت على أن ولد البنت لا يسمى ولدا، فقد أفسد معناه، وأبطل فائدته، وتأول على قائله ما لا يصح، إذ لا يمكن أن يسمى ولد الابن في اللسان العربي ابنا، ولا يسمى ولد الابنة ابنا، من أجل أن معنى الولادة التي اشتق منها، اسم الولد فيه أبين وأقوى، لأن ولد الابنة هو ولدها بحقيقة الولادة، وولد الابن إنما هو ولده بماله فيه مما كان سببا للولادة؛ ولم يخرج مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولاد البنات من حبس من حبس على ولده، من أجل أن اسم الولد غير واقع عليه عنده في اللسان؛ وإنما أخرجهم منه قياسا على الميراث، ليعرف اسم الولد في الشرع فيمن يستحق الميراث والنسب، دون من لا يستحق ذلك - على ما بيناه فيما سلف، وبالله التوفيق.