وذلك أن زكريا كان من آل يعقوب وتحرر من هذا قياسا فنقول: إن هذا لفظ عام يقع على من يرث المحبس وينتسب إليه، وعلى من لا يرثه ولا ينتسب إليه - مع الاستواء في الحرية والإسلام؛ فوجب أن يقصر على من يرث منهم دون من لا يرث، أصل ذلك قول المحبس حبست على ولدي - ولم يزد أن ذلك مقصور على من يرثه من ولده الذكور والإناث، وولد ولده الذكور وينتسب إليه منهم دون من لا يرثه منهم ولا ينتسب إليه، كأبناء الزنى وأبناء البنات؛ وإن كان لفظ الولد يعمهم ويجمعهم في اللسان العربي - وهذا بين إن شاء الله. ووجه ثان صحيح المعنى ظاهر في القياس يأتي على الصحيح - عندي من أصل مختلف فيه في المذهب - وهو مراعاة عرف ألفاظ الناس ومقاصدهم في أيمانهم، يمهد لذكره أصلا يثبته عليه ونرده إليه - وهو أنه لا اختلاف في أن الألفاظ المسموعة إنما هي عبارة عما في النفوس، فإذا عبر المحبس عما في نفسه من إرادته بلفظ غير محتمل، نص فيه على إدخال ولد بناته في حبسه، أو إخراجهم منه؛ وقفنا عنده ولم يصح لنا مخالفة نصه، وإذا عبر عما في نفسه بعبارة محتملة للوجهين جميعا، وجب أن نحملها على ما يغلب على ظننا أن المحبس أراده من محتملات لفظه بما يعلم من قصده، لأن عموم ألفاظ الناس لا تحمل إلا على ما يعلم من قصدهم واعتقادهم، إذ لا طريق لنا إلى العلم بما أراده المحبس إلا من قبله، فإذا صح هذا الأصل الذي أصلناه وقدرناه، وقد علمنا أنه لا يعلم من الناس أن الولد بإطلاقه يقع على الذكر والأنثى إلا الخاص منهم العالم باللسان، وأكثرهم يعتقد أن الولد لا يقع إلا على الذكر دون الأنثى، وإن سألت منهم من له ابنة ولا ابن له: هل لك ولد؟ يقول لك ليس لي ولد، وإنما لي ابنة، وجب أن يخصص بهذا عموم لفظ المحبس، ويحمل على أنه إنما أراد ولد ولده الذكور دون ولده