احتملته الآية من التأويل. فمن حمل الآية على ظاهرها ولم يقدر فيها تقديما ولا تأخيرا رآهما من أهل التيمم؛ لأن شرط عدم الماء في الآية يعود على الحاضر، ويتأول إضماره في المريض والمسافر، وإضمار عدم القدرة على مسه في المريض أيضا. ومن قدر في الآية تقديما وتأخيرا لم يرهما من أهل التيمم؛ لأن شرط عدم الماء على التقديم والتأخير لا يعود إلا على المريض والمسافر. وكذلك إذا حملت الآية على التأويل الذي ذكرناه فيما تقدم فيها من أن "أو" في قَوْله تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}[المائدة: ٦] بمعنى الواو لا يكونان من أهل التيمم، وهو أظهر من التأويلين المتقدمين؛ لأن التلاوة تبقى على ظاهرها دون تقديم وتأخير، ولا يحتاج فيها إلى إضمار، فتأتي بينة لا إشكال فيها ولا احتمال. لأن تقديرها على هذا التأويل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}[المائدة: ٦] الآية إلى {وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}[المائدة: ٦].
والتيمم القصد، قال الله عز وجل:{وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}[المائدة: ٢] أي قاصديه. والصعيد: ما صعد من الأرض، وقيل التراب. والطيب الطاهر. يقول الله تعالى: وإن كنتم على هذه الأحوال فاقصدوا ترابا طاهرا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه. ومذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وجميع أصحابه أن الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره؛ لأنهم يجيزون التيمم بالرمل والحصا والجبل.
والدليل على صحة قول مالك قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» فوجب بظاهر هذا الحديث أن يجوز التيمم بكل ما هو مشاكل للأرض لم تدخله صنعة كما تجوز الصلاة عليه، ويجوز على هذا التيمم بالحشيش النابت على وجه الأرض إذا عم الأرض وحال بينك وبينها. وقال يحيى بن سعيد ما حال