تقدم مذهبه؛ وأما الشافعي، فلم يقصد ذلك على العرية وأجاز بيع ما دون خمسة أوسق ممن الرطب في رؤوس النخل بالثمر يدا بيد، كان ذلك من عرية أو شراء أو لمن يريد أن يبيع ذلك المقدار من حائطه لعلة أو لغير علة، والرخصة عنده إنما وردت في المقدار المذكور فخرج ذلك المقدار من المزابنة، وما زاد عليه فهو منها؛ وإنما خصت عنده العرايا بالذكر في ذلك، لأن السؤال وقع عنها، أو لأنها إنما تقع في هذا المقدار في الأغلب من الحال؛ وقالوا أيضا إن العرية ليست اسما لما أعري ووهب وأعطي وإنما هو اسم لما أفرد عن جملة - سواء كان للهبة أو للبيع أو للأكل، كأنه عري عن الأصل وأفرد عنه؛ والصحيح ما قدمنا ذكره عن أهل اللغة أنه اسم للعطية مخالف الشافعي وما جاء في بعض الآثار من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرخص لصاحب العرية أن يبيعها من معريها بخرصها تمرا عند الجداد» في ثلاثة مواضع.
أحدها: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شرط في جواز بيعها أن يكون من معريها دون غيره - وهو يجيز بيعها من المعري وغيره.
والثاني: أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرخص في بيعها بخرصها تمرا عند الجداد، والشافعي يمنع ذلك عند الجداد، ويجيزه نقدا ويقول إن تفرقا قبل القبض فسد.
والثالث: أن العرية اسم الفعل المعروف مستثنى من الأصول بدليل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للخراص خففوا، فإن في المال العرية والوصية. فأجراهما مجرى واحدا وهو يقول إنه المقدار وإن لم يكن عرية.
وأما أبو حنيفة فعلته في جواز أخذ المعري عريته بخرصها أنها هبة مبتدأة على أصله أن للواهب الرجوع فيما وهب ما لم تحز عنه، فكأنه ارتجع عريته من