بالشفعة، فأفتينا فيها من غير ذكر رواية على ما يوجبه القياس والنظر ألا شفعة له في ذلك عليه، وكان المبتاع للزوجين قد أعلم القاضي يومئذ بمسألته، فقال له لك الشفعة ووعده أن يقضي له بذلك. فلما اتصل به ما قلنا أنكر الفتوى وظن أنها خطأ، فأخذ معي فيها فحاججته على رد قوله وتصحيح ما ذهبنا إليه. فلما لزمته الحجة ولم يقدر على القضاء مع مخالفة الفتوى رجع عن قوله بوجوب الشفعة وقال إن الذي يبطلها فساد البيع في الزوجين على الوجه المذكور، فطالبه الفقيه ابن القاسم بالحكم له بإبطال الشفعة عنه للقائم بها عليه على مذهبه الذي رآه، فقضى له بذلك وأشهدنا على قضائه به وحكمه، وزعم أن العلة عنده في فساد البيع الجهل بمبلغ أرض القرية لأنه اشترى على الشركة إذ لم يشترط الخيار فكأنه اشترى جزءا مجهولا يعرف مبلغه إن كان ثلثا أو ربعا إلا بعد تكسير أرض القرية. وهذا غير صحيح، لأن ما اشترى لا يزيد بزيادة أرض القرية ولا ينقص بنقصانها، لأنه إنما اشترى زوجين على الشركة في أرض القرية، فإن وجد تكسيرها عشرة أزواج كان له منها الخمس وإن وجد ثمانية كان له منها الربع، وربع الثمانية وخمس العشرة سواء، فلا غرر في ذلك ولا جهل، والبيع صحيح إذا كان قد وقف على أرض القرية وعرف كريمها من لئيمها.
ومن أهل العلم من زماننا من ذهب إلى أن البيع لا يجوز في ذلك على مذهب ابن القاسم في المدونة إذا كانت الأرض مختلفة في الطيب، ولا على قول غيره فيها وإن كانت مستوية قياسا على قولهما في كتاب كراء الأرضين في اكتراء الأرض مزارعة، وقال إن العلة في المنع من ذلك عند ابن القاسم إذا كانت الأرض مختلفة، وعند غيره إن كانت مستوية أن الحكم يوجب القسمة، فكأنه اشترى ما يخرج له فيها بالقسمة. وهذا ظاهر البطلان، إذ لو صحت هذه العلة لما أجاز ابن القاسم الكراء إذا استوت الأرض ولا أجاز اشتراء جزء على الإشاعة من دار ولا أرض لأن الحكم يوجب القسمة فيأخذ فيها ما يخرج له السهمة. وقد أجمع أهل العلم على جواز ذلك. وإنما معنى مسألة المدونة أن الكراء إنما وقع على أن يختار المكتري فيأخذ من أي موضع شاء من الأرض، فأجازه ابن القاسم إذا استوت الأرض وإن أمكن أن تختلف الأغراض في نواحيها قياسا على قولهم في إجازة