والرابع: فيما تسقط عنه التوبة من الأحكام. فأما الموضع الأول وهو قبول التوبة منه فإن الأصل في ذلك قولين:
أحدها: أن توبته لا تقبل منه ولا تسقط حقا من الحقوق ولا حكما من الأحكام. قال ذلك من ذهب إلى أن الآية نزلت في المشركين من أهل الحرب، وهو قول الحسن، وقد بينا ضعف هذا القول.
والثاني: أن توبته تقبل منه، وهو قول جل أهل العلم. ثم اختلف هؤلاء في صفة المحارب الذي تقبل منه التوبة على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا تقبل منه إلا أن يخرج في حرابته من دار الإسلام ويلحق بدار الحرب.
والثاني: أنها لا تقبل منه إلا أن يكون قد لحق بدار الحرب أو كانت له فئة في بلد الإسلام وإن لم يلحق بدار الحرب.
والثالث: أنها تقبل منه في جميع الأحوال كان وحده لا فئة له أو كانت له فئة ولم يلحق بدار الحرب أو كان قد لحق في حرابته بدار الحرب. واختلفوا أيضا في صفة توبته التي تقبل منه على أقوال:
أحدها: أن توبته تكون بوجهين: أحدهما: أن يترك ما هو عليه وإن لم يأت الإمام.
والثاني: أن يلقي سلاحه ثم يأتي الإمام طائعا وهو مذهب ابن القاسم.
والقول الثاني: أن توبته إنما تكون بأن يترك ما هو عليه ويجلس في موضعه ويظهر لجيرانه. وأما إن ألقى سلاحه وأتى الإمام طائعا فإنه يقيم عليه حد الحرابة إلا أن يكون قد ترك قبل أن يأتيه ما هو عليه وجلس في موضعه حتى لو علم الإمام حاله لم يقم عليه حد الحرابة، وهذا قول ابن الماجشون.
والقول الثالث: أن توبته إنما تكون بالمجيء إلى الإمام، وإن ترك ما هو عليه لم يسقط ذلك عنه حكما من الأحكام إن أخذ قبل أن يأتي الإمام. واختلفوا أيضا فيما تسقط عنه التوبة من الأحكام على أربعة أقوال: