يقام الحد عليه على قولين. فذهب مالك وأكثر أصحابه وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن شهادته جائزة حتى يقام الحد عليه، وقال الشافعي: لا تجوز شهادته قبل الحد ولا بعده وقال: هو قبل الحد شر منه بعد الحد، لأن الحدود كفارات لأهلها، فكيف تقبل شهادته في شر حاليه، وهو مذهب ابن الماجشون وأصبغ. والصحيح ما ذهب إليه مالك لأن الله تعالى قال:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}[النور: ٤] فإنما نهى الله عن قبول شهادتهم إذا لم يأتوا بأربعة شهداء، وللقاذف الإتيان بالشهادة ما لم يحد، فهذا يبين أن شهادته لا تسقط إلا بإقامة الحد عليه، وما لم يقم عليه الحد فلم يتبين فسوقه لاحتمال أن يأتي بالشهداء أو يعفو عنه المقذوف أو يقر بما رماه به من الزنا. وهذا كله بين لا إشكال فيه.
واختلف أهل العلم في قبول شهادة القاذف إذا تاب، فمنهم من قال إنها مقبولة وهو مذهب مالك والشافعي وأصحابهما، ومنهم من قال إنها لا تقبل وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه. قالوا لأن الله تعالى قال:{وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}[النور: ٤] فالاستثناء إنما يعود على التفسيق دون قبول الشهادة. وهذا غير صحيح لأن المعنى الذي من أجله لم تقبل شهادته هو التفسيق. فإذا ارتفع التفسيق وجب قبول الشهادة. ومعنى قوله في الآية أبدا ما لم يتب، كما يقال لا تقبل شهادة الكافر أبدا ويكون معناه ما لم يسلم. هذا أولى ما يحتج به لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقد قيل إن مالكا إنما رأى شهادة القاذف مقبولة إذا تاب، لأن من مذهبه أن الاستثناء الوارد عقب الجملة المعطوف بعضها على بعض بالواو راجع إلى جميعها لا إلى أقرب مذكور منها، وهو معنى حسن أيضا.
واختلف في صفة توبة القاذف التي إذا تاب منها قبلت شهادته على قولين: أحدهما: أن توبته أن يكذب نفسه ويعترف أنه قال البهتان وتاب إلى الله من ذلك.