فطمس الله على أبصارهم، فخرج وقد غشيهم النوم، فوضع على رؤوسهم ترابا ونهض. فلما أصبحوا خرج عليهم علي وأخبرهم أن ليس في الدار ديار، فعلموا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد فات ونجا. «وكان أبو بكر يستأذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الهجرة فيقول له:"لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبا" فرجا أبو بكر أن يكون هو، فابتاع راحلتين فأعدهما لذلك. وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يخطئه أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار.
فلما كان يوم أذن الله له بالهجرة أتى أبا بكر بالهاجرة، فلما رآه أبو بكر قال ما جاء هذه الساعة إلا من حدث. فلما دخل تأخر له عن سريره فجلس، فأعلمه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن الله قد أذن له في الهجرة، فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال الصحبة. فبكى أبو بكر فرحا وأعلمه استعداده الراحلتين لذلك» فبعثهما مع عبد الله بن أرقط يرعاهما، ولم يعلم أحد خبر الهجرة إلا أبو بكر وعلي وآل أبي بكر. وأمر عليا أن يتخلف بعده ليرد الودائع التي كانت عنده، ثم خرج هو وأبو بكر من خويخة في ظهر بيته إلى غار ثور، وهو جبل بأسفل مكة، فدخلاه ليلا، وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يسمع ما يقول الناس ثم يأتيهما إذا أمسيا بما يكون، وأمر عامر ابن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه ثم يريحها إلى الغار إذا أمسى. وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام إذا أمست. فأقاما في الغار ثلاثة أيام، وجعلت قريش فيه مائة ناقة، حتى إذا سكن الناس عنهما بعد ثلاث أتاهما ذلك الذي استأجراه بالراحلتين، وأتت أسماء بالسفرة ونسيت أن يجعل لها عصاما، فجعلت نطاقها فسميت ذات النطاقين. ويقال شقت نصفه للسفرة وانتطقت بنصفه. وركب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل الراحلتين ولم يأخذها إلا بالثمن، وأردف أبو بكر مولاه عامر بن فهيرة ليخدمهما في الطريق، ودليلهما عبد الله بن أرقط.
قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - دليلهما رقيط وكان كافرا، وقال موسى بن عقبة اسمه أريقط. واتبعهما سراقة بن خشعم على فرس له لما جعل المشركون في رده مائة ناقة. قال فلما بدا لي القوم عثر بي فرسي، فذهبت يداه في الأرض وسقطت عنه، ثم انتزع يديه من الأرض وتبعهما دخان كالإعصار، فعلمت حين رأيت ذلك أنه قد