مسعود ولابنه في ماله، وكانت تبعد عن الطائف، وسأله الكف عنها فكف عنها. ولما انصرف - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الطائف إلى الجعرانة على مقربة من حنين قسم الغنائم هناك. وقد ذكرنا بقية ما جرى في هذه الغزوة أيضا في الجزء الرابع من كتاب البيان في شرح جامع العتبية، فتركت ذكره هنا اختصارا.
وفيها اعتمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الجعرانة. وذلك أنه لما أتى على قسمة الغنائم بها خرج منها إلى مكة معتمرا، وأمر ببقاء الفيء فخمس بناحية الظهران. فلما فرغ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من عمرته استخلف على مكة عتاب بن أسيد، ورجع إلى المدينة فدخلها لست بقين من ذي القعدة، وكان خروجه منها لعشر خلون من رمضان فكانت مدة مغيبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منذ خرج من المدينة إلى مكة فافتتحها وأوقع بهوازن بحنين وحارب الطائف واعتمر إلى أن رجع إلى المدينة شهرين وأربعة عشر يوما.
وانهزم يوم حنين مالك بن عوف رئيس جيش المشركين، فلحق بانهزامه بالطائف كافرا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو أتاني مسلما لرددت إليه أهله وماله» فبلغه ذلك فلحق برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد خرج من الجعرانة، فأسلم وأعطاه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل كما أعطى سائر المؤلفة قلوبهم، وهو أحدهم ومعدود فيهم، واستعمله على من أسلم من قومه ومن قبائل قيس، وأمره بمغاورة ثقيف، ففعل وضيق عليهم وحسن إسلامه وإسلام المؤلفة قلوبهم حاشا عيينة بن حصن فلم يزل مغمورا عليه وسائر المؤلفة متفاضلين، منهم الفاضل المجمع على فضله كالحارث ابن هشام، وحكيم بن حزام، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمر، ومنهم دون ذلك. وقد فضل الله النبيين وسائر عباده المؤمنين بعضهم على بعض وهو أعلم بهم.
وأقام الحج للناس عتاب بن أسيد في تلك السنة، وهو أول أمير أقام الحج في الإسلام، وكان خيرا فاضلا ورعا.