لأحد أن يعمل في صومه وفطره على ذلك فيستغني به عن النظر إلى الأهلة بإجماع من العلماء. فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رمضان:«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين».
وإنما اختلف أهل العلم فيمن كان من أهل هذا الشأن إذا أغمي الهلال هل له أن يعمل على معرفته بذلك؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن غم عليكم فاقدروا له أم لا». فقال مطرف بن عبد الله بن الشخير: إنه يعمل في خاصته على ذلك، وقاله الشافعي أيضا في رواية، والمعلوم من مذهبه ما عليه الجمهور من أنه لا يعمل على ذلك.
واختلف أهل العلم في معنى قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فاقدروا له» فذهب مالك إلى أن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الحديث الثاني:«فأكملوا العدد ثلاثين» مفسر له. وذهب الطحاوي إلى أنه ناسخ له وإلى أن معنى التقدير له كان قبل أن ينسخ بأن ينظر إذا غم الهلال ليلة الشك إلى سقوط القمر في الليلة الثانية، فإن سقط لمنزلة واحدة وهي ستة أسباع ساعة علم أنه من تلك الليلة، وإن غاب لمنزلتين وهما ساعة وخمسة أسباع ساعة علم أنه من الليلة الماضية فقضوا اليوم. وهذا قول خطأ لا خفاء به، إذ لا يسقط القمر في أول كل ليلة من جميع الشهور، كان الشهر ناقصا أو تاما، لستة أسباع ساعة، هذا يعلم يقينا بمشاهدة بعض الأهلة في أوائل الشهور أرفع وأبطأ مغيبا من بعض. وأيضا فإنه خلاف ظاهر الحديث ومقتضاه في أن التقدير إنما أمر به ابتداء قبل الفوات ليصوم أو ليفطر، لا في الانتهاء بعد الفوات ليقضي أو لا يقضي.
والذي أقول به في معنى التقدير المأمور به في الحديث إذا غم الهلال أن ينظر إلى ما قبل هذا الشهر الذي غم الهلال عند آخره من الشهور، فإن كان توالى منها شهران أو ثلاثة كاملة عمل على أن هذا الشهر ناقص فأصبح الناس صياما،