أحدها: أن يكون عالما بالمعروف والمنكر؛ لأنه إن لم يكن عارفا بهما لم يصح له أمر ولا نهي، إذ لا يأمن أن ينهى عن معروف أو يأمر بمنكر.
والثاني: أن يأمن من أن يؤدي إنكاره المنكر إلى منكر أكثر منه، مثل أن ينهى عن شرب الخمر خمر فيؤول نهيه عن ذلك إلى قتل نفس وما أشبه ذلك؛ لأنه إذا لم يأمن من ذلك لم يجز له أمر ولا نهي.
والثالث أن يعلم أو يغلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له، وأن أمره بالمعروف مؤثر فيه ونافع؛ لأنه إذا لم يعلم ذلك ولا غلب على ظنه لم يجب عليه أمر ولا نهي.
فالشرطان الأول والثاني مشترطان في الجواز، والشرط الثالث مشترط في الوجوب. فإذا عدم الشرط الأول والثاني لم يجز أن يأمر ولا ينهى، وإذا عدم الشرط الثالث ووجد الشرطان الأول والثاني جاز له أن يأمر وينهى ولم يجب ذلك عليه، إلا أنه مستحب له وإن غلب على ظنه أنه لا يطيعه، إذ لعله سيطيعه، لا سيما إذا رفق به، فإن الله عز وجل يقول:{فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه: ٤٤] وقد روي أن رجلا من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقع بالشام وانهمك في الخمر، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فكتب إليه:{حم - تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[غافر: ١ - ٢]{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}[غافر: ٣] فترك الرجل الخمر وتاب منها ونزع عنها. وإذا رأى الرجل أحد أبويه على منكر من المناكر فليعظهما برفق وليقل لهما في ذلك قولا كريما كما أمره الله حيث يقول:{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا}[الإسراء: ٢٣] إلى قوله: {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[الإسراء: ٢٤].
والدليل على وجوب ذلك بالشرائط المذكورة قول الله عز وجل: