واختلف في العلم من الحرير في الثوب فمن أهل العلم من أجازه لما جاء أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الحرير وقال:«لا تلبسوا منه إلا هكذا وهكذا" وأشار بالسبابة والوسطى». وروي إجازة ذلك عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في موضع الأصبع والأصبعين والثلاث والأربع، وكرهه جماعة من السلف. وكذلك اختلف السلف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في لباس الخز الذي سداه جرير وما كان في معناه اختلافا كثيرا يتحصل فيه أربعة أقوال:
أحدها: أن لباسها جائز من قبل المباح، من لبسها لم يأثم، ومن تركها لم يؤجر على تركها. وهو مذهب ابن عباس وجماعة من السلف. منهم ربيعة على ما وقع من قوله في أول سماع ابن القاسم من كتاب جامع العتبية، لأنهم تأولوا أن النهي والتحريم في لباس الحرير للرجال إنما ورد في الثوب المصمت الخالص من الحرير.
والثاني: أن لباسها غير جائز وإن لم يطلق عليه أنه حرام، فمن لبسها أثم ومن تركها نجا، إذ قد قيل في حلة عطارد السيراء التي قال فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة»، إنها كانت يخالطها الحرير وكانت مضلعة بالقز، وهو مذهب عبد الله بن عمر. والظاهر من مذهب مالك وإن كان قد أطلق القول فيه أنه مكروه، والمكروه ما كان في تركه ثواب ولم يكن في فعله عقاب. إذ قد يطلقه فيما هو عنده غير جائز تجوزا من أن يحرم ما ليس بحرام. والذي يدل على ذلك من مذهبه قوله في المدونة: وأرجو أن يكون الخز للصبيان خفيفا.
والثالث: أن لباسه مكروه على حد المكروه، فمن لبسه لم يأثم ومن تركه أجر على تركه، وهذا هو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب، لأن ما اختلف أهل العلم فيه لتكافئ الأدلة في تحليله وتحريمه فهو من المتشبهات التي قال فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنه من اتقاها فقد استبرأ لدينه وعرضه». وعلى هذا القول يأتي ما حكى مطرف من أنه رأى على مالك بن أنس - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثوب إبريسم كساه إياه هارون الرشيد، إذ لم يكن ليلبس ما يعتقد أنه يأثم بلبسه.