منهم عن السلف، فحصل به العلم من جهة نقل التواتر، فوجب أن يقدم على القياس وعلى أخبار الآحاد؛ إذ لا يقع بها العلم وإنما توجب غلبة الظن كشهادة الشاهدين.
وبهذا المعنى احتج مالك على أبي يوسف حين ناظره بحضرة الرشيد لإثبات الأوقاف والصدقات، فقال: هذه صدقات رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأحباسه مشهورة عندنا بالمدينة معروفة ينقلها الخلف عن السلف قرنا بعد قرن. فقال حينئذ أبو يوسف: كان أبو حنيفة يقول: إنها غير جائزة وأنا أقول: إنها جائزة، فرجع في الحال عن قول أبي حنيفة إلى إجازتها. وبمثل هذه الحجة رجع إلى القول بأن مقدار الصاع والمد ما يقوله أهل المدينة وترك مذهب أبي حنيفة لما رأى في ذلك من تواتر النقل وتناصره الموجب للعلم.
وكذلك ما اتصل العمل به بالمدينة من جهة القياس والاجتهاد هو حجة أيضا كمثل ما أجمعوا عليه من جهة النقل، يقدم على أخبار الآحاد وعلى ما خالفه من القياس عند مالك؛ لأن ما اتصل العمل به لا يكون إلا عن توقيف. وأما إجماعهم على الحكم في النازلة من جهة الاجتهاد فقيل: إنه حجة يقدم على اجتهاد غيرهم وعلى أخبار الآحاد لأنهم أعرف بوجوه الاجتهاد وأبصر بطريق الاستنباط والاستخراج؛ لما لهم من المزية عليهم في معرفة أسباب خطاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعاني كلامه ومخارج أقواله، لاستفادتهم ذلك من الجم الغفير الذين شاهدوا خطابه وسمعوا كلامه.
وهذا في القرن الثاني والثالث منهم الذين توجهت إليهم المدحة بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم». وقيل: إنه ليس بحجة من أجل أنهم بعض الأمة، والعصمة إنما هي لجميع الأمة؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لن تجتمع أمتي على ضلالة».
واختلف على القول بأنه ليس بحجة هل له مزية يقدم بها على ما سواه من الاجتهاد ويرجح بها عليه أم لا على قولين. فعلى القول بأن له مزية يقدم بها على ما سواه من الاجتهاد ويرجح بها عليه يقدم خبر الواحد. وعلى القول