رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلاة في السفر من غير خوف، وتأول أن مراد الله عز وجل بالقصر الذي رفع فيه الحرج هو القصر مع الخوف من ركعتين إلى ركعة أو من طول الصلاة أو من حدودها، رأى القصر في السفر فرضا، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وجماعة من العلماء، وإلى هذا ذهب إسماعيل بن إسحق وأبو بكر بن الجهم. وذكر ابن الجهم أن أشهب روى ذلك [عن مالك]، ويلزم من قال بهذا القول أن يوجب الإعادة أبدا على من أتم صلاته في السفر متعمدا صلى وحده أو في جماعة كما يقول أبو حنيفة وأصحابه، ولا يوجد ذلك في المذهب لمالك ولا لأحد من أصحابه. والذي رأيت لمالك من رواية أشهب عنه أن فرض المسافر ركعتان، وذلك خلاف ما حكى عنه ابن الجهم إذا تدبرته. ومن ذهب إلى ما روي من أن الصلاة فرضت أربعا أربعا في السفر والحضر فأقرت صلاة الحضر وقصرت صلاة السفر وتأول القصر الذي رفع الله فيه الجناح عن عباده على أنه القصر من أربع ركعات إلى ركعتين مع الأمن على ما ذكرناه فيما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وصح عنده أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصر الصلاة في سفره وهو آمن» قال: إن القصر في السفر سنة من السنن، التي الأخذ بها فضيلة وتركها غير خطيئة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن ليختار مما خيره الله فيه إلا الذي علم أنه الأفضل عنده. وقد نبه على ذلك بقوله:«صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته». فحض على قبول الصدقة والاقتداء به في ذلك من غير وجوب، إذ لا يجب على المتصدق عليه قبول ما تصدق به عليه، وإنما المختار له ذلك، ما لم يقترن بصدقته معنى يوجب كراهيتها، وذلك المعنى معدوم في صدقة الله تعالى. وهي رواية أبي المصعب عن