جميع الأحكام في القرآن نصا علمنا أنه أراد أنه نص على بعضها وأحال على الاستنباط و [هو] القياس في سائرها. فمن منع من الاستنباط وهو القياس فقد كذب بقوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٣٨] إذ لا يجوز له أن يدعي أنه نص على جميع الأحكام في القرآن نصا. ودليل آخر من الكتاب وهو قَوْله تَعَالَى:{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ}[الواقعة: ٦٢] فوبخهم على إنكارهم النشأة الثانية مع أن لهم طريقا إلى معرفتها وهو القياس على النشأة الأولى التي يقرون بها وهي في معناها. ومثل ذلك:{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ}[يس: ٨١] ومثله في القرآن كثير.
وأما السنن الواردة في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فكثيرة أيضا ترفع العذر وتوجب القطع عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بالحكم بالرأي والاجتهاد وإقرار أصحابه على ذلك في زمنه ومع وجوده ونزول الوحي، فكيف به اليوم بعد موت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وانقطاع الوحي. ومن ذلك «الخبر المشهور لمعاذ بن جبل حين أنفذه إلى اليمن حاكما فقال له بم تحكم قال بكتاب الله، قال فإن لم تجد قال فبسنة رسوله، قال فإن لم تجد قال أجتهد رأيي. قال الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضي رسوله.» ومن ذلك «قوله للخثعمية: أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته قالت نعم قال فدين الله أحق أن يقضى» فقاس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -