والرابع أن يكون الدين من كراء أو إجارة، فهذا إن كان قبضه بعد استيفاء السكنى والخدمة كان الحكم فيه على ما تقدم في القسم الثاني، وإن كان قبضه قبل استيفاء العمل مثل أن يؤاجر نفسه ثلاثة أعوام بستين دينارا فيقبضها معجلة ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أنه يزكي إذا حال الحول ما يجب له من الإجارة وذلك عشرون دينارا، لأنه قد بقيت في يده منذ قبضها حولا كاملا، ثم يزكي كلما مضى به من المدة شيء له بال ما يجب له من الكراء إلى أن يزكي جميع الستين لانقطاع الثلاثة الأعوام. وهذا يأتي على ما في سماع سحنون عن ابن القاسم وعلى قياس قول غير ابن القاسم في المدونة في مسألة هبة الدين هو عليه بعد حلول الحول عليه. والثاني أنه يزكي إذا حال الحول تسعة وثلاثين دينارا ونصف دينار، وهو نص ما قاله ابن المواز على قياس القول الأول. والثالث أنه لا زكاة عليه في شيء من الستين حتى يمضي العام الثاني، فإذا مر زكى عشرين، لأن ما ينوبها من العمل دين عليه فلا يسقط إلا بمرور العام شيئا بعد شيء، فوجب استئناف حول آخر بها منذ تم سقوط الدين عنها.
وأما الدين من الغصب ففيه من المذهب قولان: أحدهما وهو المشهور أنه يزكيه زكاة واحدة ساعة يقبضه كدين القرض. والثاني أنه يستقبل به حولا مستأنفا من يوم يقبضه كدين الفائدة. وقد قيل إنه يزكيه للأعوام الماضية، وبذلك كتب عمر ابن عبد العزيز إلى بعض عماله في مال قبضه بعض الولاة ظلما، ثم عقب بعد ذلك بكتاب آخر أن لا يؤخذ منه إلا زكاة واحدة لا أنه كان ضمارا.
وأما دين القرض فيزكيه غير المدير إذا قبضه زكاة واحدة لما مضى من السنين. واختلف هل يقومه المدير أم لا، فقيل إنه يقومه، وهو ظاهر ما في المدونة، وقيل إنه لا يقومه، وهو قول ابن حبيب في الواضحة. وهذا الاختلاف مبني على الاختلاف فيمن له مالان يدير أحدهما ولا يدير الآخر، لأن المدير إذا أقرض من المال الذي يدير قرضا فقد أخرجه بذلك عن الإدارة.