وقال تعالى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال: ٦٧] فذهب مالك وجمهور أهل العلم إلى أن الإمام مخير في الأسرى بين خمسة أشياء: إما أن يقتل، وإما أن يأسر ويستعبد، وإما أن يمن فيعتق، وإما أن يأخذ فيه الفداء، وإما أن يعقد عليه الذمة ويضرب عليه الجزية، لأنه استعمل الآيات كلها وفسر بعضها ببعض ولم ير فيها ناسخا ولا منسوخا، لأن الآية الأولى قَوْله تَعَالَى:{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ}[الأنفال: ٥٧] الآية توجب قتل الأسير وألا يستحيى عموم يحتمل الخصوص، فخصصتها الآية الثانية قَوْله تَعَالَى:{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}[محمد: ٤] وبينت أن المراد بذلك قبل الإثخان، وأن الحكم فيها بعد الإثخان شد الوثائق للمن والفداء. أو بينت الآية الثالثة قَوْله تَعَالَى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ}[الأنفال: ٦٧] أن شد الوثائق بالمن والفداء،، المذكور في الآية الثانية آية سورة القتال إنما هو على التخيير لا على الإلزام وتحريم القتل، لأن تقدم الحظر على الأمر قرينة تدل على أن المراد به الإباحة لا الوجوب. وقد كان الأسر محظورا قبل الإثخان، فدل ذلك على أن قوله:{فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}[محمد: ٤] معناه إن شئتم، مثل قوله عز وجل:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة: ٢] بعد قوله عز وجل: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}[المائدة: ٩٦] ومثل قوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ}[الجمعة: ١٠] بعد قوله: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}[الجمعة: ٩].