بذبحه وله من الله هذا الوعد. وقال أبو جعفر الطبري: والذي ذهب إليه أكثر أهل العلم بالتأويل أن الذبيح هو إسحاق، وهو الأظهر؛ لأن الذبيح إذا كان هو الغلام الحليم الذي بشره الله به لمسألته إياه أن يهب له من الصالحين بنص الكتاب فهو إسحاق، والله أعلم؛ لأنه لم يكن له ولد إلا من الصالحين، فيبعد أن يسأل الله أن يهبه ما قد وهبه إياه. وقد بين في كتابه أن الذي بشر به إسحاق فهو الذبيح والله أعلم. وقد روي أن إبراهيم إنما أمر بذبح ابنه إسحاق بالشام وبها أراد ذبحه. وغير مستحيل أن يكون حمل رأس الكبش من الشام إلى مكة. ولا حجة لمن ذهب إلى أن الذبيح إسماعيل في قوله:{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا}[الصافات: ١١٢] عقب الفراغ من قصة الذبيح؛ لأنه إنما بشر بنبوته جزاء على صبره ورضاه بأمر ربه واستسلامه له. وكذلك لا حجة في وعد الله له أن يكون له ولد من إسحاق؛ لأنه إنما أمر بذبحه بعد أن بلغ معه السعي وتلك حال لا ينكر أن يكون له فيها أولاد فكيف بولد والله أعلم. وقال المفضل: الصحيح الذي يدل عليه القرآن أنه إسماعيل، وذلك أنه قص قصة الذبيح وقال في آخر القصة:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}[الصافات: ١٠٧] ثم قال: {سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[الصافات: ١٠٩]{كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[الصافات: ١١٠]{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}[الصافات: ١١١]{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ}[الصافات: ١١٢]{وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ}[الصافات: ١١٣] أي: على إسماعيل {وَعَلَى إِسْحَاقَ}[الصافات: ١١٣] كنى عنه؛ لأنه قد تقدم ذكره. ثم قال:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا}[الصافات: ١١٣] فدل على أنهما ذرية إسماعيل وإسحاق. وليس يختلف الرواة في أن إسماعيل كان أكبر من إسحاق - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - بثلاث عشرة سنة. وأيضا قد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أعرابيا قال له يا ابن الذبيحين يعني إسماعيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأباه عبد الله؛ لأن عبد المطلب كان نذر إن بلغ ولده عشرة أن ينحر منهم واحدا، فلما كملوا عشرة أتى بهم البيت وضرب عليهم بالقداح على أن يذبح من خرج قدحه، وقد كتب اسم كل واحد في قدح، وخرج قدح عبد الله، ففداه بعشرة من الإبل، ثم ضرب عليه وعلى الإبل فخرج قدحه، ففداه بعشرة إلى أن تمت مائة فخرج القدح على الجزر فنحرها، وسن الدية مائة. قال ابن إسحاق وأما من قال: إنه إسحاق فقال كانت في إسحاق بشارتان: الأولى قوله: