للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليها أجاز للرجل في خاصة نفسه أن يخلل ما عنده من الخمر على أي وجه كان ويأكله، وإن كان الاختيار له أن لا يفعل وأن يبادر إلى إراقتها كما فعل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في حديث أنس. فيتحصل في جواز تخليل الخمر ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك لا يجوز دون تفصيل. والثاني: أن ذلك جائز دون تفصيل على كراهية. والثالث: الفرق بين أن يقتني الخمر أو يتخمر عنده عصير لم يرد به الخمر.

وفي جواز أكلها إن خللها على مذهب من لا يجيز له تخليلها في حال ثلاثة أقوال: الجواز، والمنع، والفرق بين أن يخلل من الخمر ما اقتنى أو ما تخمر عنده مما لم يرد به الخمر. وهذا قول سحنون، والقولان الأولان لمالك. وقد علل بعض البغداديين وهو عبد الوهاب المنع من أكلها إذا خللت على مذهب الشافعي ببقائها على النجاسة، وهو تعليل فاسد، إذ لو بقيت على النجاسة إذا خللت لكان أحرى أن تبقى عليها إذا تخللت، إلا أن يريد ببقائها على النجاسة بقاءها على حكم النجاسة في المنع من الأكل مع زوال النجاسة فيكون لذلك وجه، وهو أنه جعل ارتفاع صفات الخمر من الخمر بالتخليل كارتفاع النجاسة عن الثوب بالغسل بما سوى الماء من المائعات، فتكون الخمر إذا خللت طاهرة إن وقع شيء منها بعد التخليل في ماء أو ثوب لم تنجسه، كما يكون الثوب النجس إذا غسل بما سوى الماء من المائعات حتى زالت النجاسة عنه طاهرا إن حل في ماء طاهر لم ينجسه، ويكون حكم نجاسة الخمر إذا خللت باقيا على الخل في المنع من الأكل كما يكون حكم نجاسة الثوب إذا غسل بما سوى الماء من المائعات باقيا على الثوب في المنع من الصلاة فيه. وهذا كله بين والحمد لله. فإن قال قائل: إن كانت الخمر نجسة فكيف تطهر إذا تخللت عند مالك ومن قوله أن المنجوسات لا يطهرها من النجاسات إلا الماء الطاهر؟ قيل له: الفرق بينهما أن النجاسات أعيان قائمة بأنفسها لا يستحيل بقاؤها، فإذا خالطت الأجسام الطاهرة لم تنفصل عنها عند مالك إلا بالماء لقول الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] وطهور

<<  <  ج: ص:  >  >>