يرى أن الإيمان بالله هو التصديق الحاصل في القلب وليس من شروط صحته المعرفة هو الذي اختاره القاضي أبو الوليد الباجي واحتج له. وأما على مذهب من رأى أن الإيمان بالله تعالى لا يصح إلا بعد المعرفة فيقول إن أول الواجبات النظر والاستدلال؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يعلم ضرورة وإنما يعلم بالنظر والاستدلال بالأدلة التي نصبها لمعرفته. وإلى هذا ذهب البخاري في كتابه فبوب باب العلم قبل القول والعمل لقول الله عز وجل:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ}[محمد: ١٩] فبدأ بالعلم، وهو الذي ركن إليه القاضي أبو بكر الباقلاني؛ لأنه قال: إن الإيمان هو العلم، وكل مؤمن بالله فهو عالم به. والذي ذهب إليه أن من لم يكن عالما بالله تعالى فهو جاهل به، والجاهل بالله تعالى كافر به. وليس ذلك ببين؛ لأن الإيمان يصح باليقين الذي قد يحصل لمن هداه الله بالتقليد وبأول وهلة من الاعتبار بما أرشد الله تعالى إلى الاعتبار به في غير ما آية من كتابه. ومن قال إن الإيمان بالله هو العلم به، والعلم به لا يصح إلا بالنظر والاستدلال فأول الواجبات عنده النظر والاستدلال. وقد قال القاضي أبو بكر المذكور في بعض كتبه إن الإيمان ليس هو العلم، وإنما سبيله أن يتضمن العلم، لأن الإيمان في اللغة هو التصديق، والتصديق هو من قبيل الأقوال التي تكون في النفس ويعبر عنها تارة بالقول، وذلك القول الموجود بالقلب لا يصح وجوده مع الجهل ولا بد أن يكون متضمنا للعلم. قال بعض من تكلم على قوله من الفقهاء: وهذا هو التحقيق الذي يمر مع النظر.
وقد حكى القاضي أبو الوليد الباجي عن شيخه القاضي أبي جعفر السمناني أنه كان يقول: القول بأن النظر أول الواجبات مسألة من مسائل الاعتزال بقيت في المذهب عند من التزمها؛ لأن من جعله أول الواجبات أوجبه