فإن قال قائل: إذا كان الحمل والفصال لا يخرجان عن ثلاثين شهرا وكان أكثر مدة الحمل عامين أفيكون الفصال ستة أشهر وأبدان الصبيان لا تقوم بها ويحتاجون في الرضاع إلى أكثر منها؟
فالجواب عن ذلك أنه قد يحتمل أن تكون الستة الأشهر أدنى مدة الفصال، وأن يكون المولود إذا ألطف له في الغذاء استغنى عن الرضاع بعد الستة الأشهر، وهو الظاهر فيما روي عن ابن عباس من قوله: إذا وضعت المرأة لتسعة أشهر كفاها من الرضاع أحد وعشرون شهرا، وإذا وضعت لسبعة أشهر كفاها من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرا، فإذا وضعت لستة أشهر فحولان كاملان؛ لأن الله تعالى يقول:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا}[الأحقاف: ١٥]. فعلى قياس قوله: إذا وضعت في عامين فرضاعه ستة أشهر. ويحتمل أن يكون الله تعالى قد جعل مدة الفصال والحمل ثلاثين شهرا لا أكثر منها على ما في الآية التي تلوناها مما قد يحتمل أن تكون مدة الفصال قد ترجع إلى ستة أشهر، ثم زاد الله تعالى في مدة الرضاع تمام الحولين لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}[لقمان: ١٤]، ولقوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}[البقرة: ٢٣٣]، وبقي مدة الحمل على ما في الآية الأولى فلم يخرجه عن الثلاثين شهرا، وأخرج منه مدة الفصال إذا كان الحمل أكثر من ستة أشهر.
والجواب الأول عندي أظهر؛ لأنه يعضد ما روي عن ابن عباس، فنقول على قياسه: إن أقل مدة الفصال ستة أشهر وأكثرها عامان، كما أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها عامان، وأن للمرأة أن تنقص من الحولين في رضاع ولدها ما بينها وبين ستة أشهر إذا لم تنقص من الثلاثين شهرا بين الحمل والرضاع شيئا. وقد قيل: إنه إنما ضرب له أربعة أعوام؛ لأنه جهل إلى أي جهة سار من الأربع جهات، وهذا لا معنى له، فإن لم يأت حتى انقضت اعتدت عدة الوفاة، قيل بإحداد وقيل بغير إحداد، ثم تزوجت إن شاءت على ما روي في ذلك عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولا مخالف