الرواية لم يحمل المعنسة المجهولة الحال على السفه ولا على الرشد، وأعمل قول الوالد في ذلك، فهذا القول الثالث يتفرع إلى ثلاثة أقوال- على ما بيناه- تتمة خمسة أقوال. والقول السادس أنها في ولاية أبيها حتى تمر بها سنة بعد دخول زوجها بها- وهو قول مطرف في الواضحة، وظاهر قول يحيى بن سعيد في المدونة؛ فعلى هذا القول تكون أفعالها قبل دخول زوجها بها مردودة- وإن علم رشدها وبعد دخول زوجها بها ما بينها وبين انقضاء العام- مردودة. ما لم يعلم رشدها، وبعد انقضاء العام جائزة ما لم يعلم سفهها، ووافقه ابن الماجشون في تحديد السنة وخالفه في تركه الاعتبار بالتعنيس، فرأى أنها إذا عنست وعلم حسن مالها خرجت من ولاية أبيها ووصيها.
والقول السابع: أنها في ولاية أبيها حتى يمر بها عامان- وهو قول ابن نافع في كتاب الصدقات والهبات في العتبية. والقول الثامن أنها في ولاية أبيها حتى يمر بها سبعة أعوام، وهذا القول يعزى إلى ابن القاسم، وبه جرى العمل عندنا؛ وقال ابن أبي زمنين إن الذي أدرك عليه الشيوخ أن تجوز أفعالها وتخرج من ولاية أبيها - إذا مضى لها في بيت زوجها من الستة الأعوام إلى السبعة- ما لم يجدد الأب عليها السفه قبل ذلك؛ وهذا قريب من القول الثامن، فيكون حالها بعد هذا الأمر محمولا على الرشد حتى يعلم خلافه على ما بيناه.
وقول ابن أبي زمنين ما لم يجدد الأب عليها السفه قبل ذلك به كان يفتي القاضي ابن زرب - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإليه ذهب ابن العطار في وثائقه وهو أمر مختلف فيه، كان أبو عمر الإشبيلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يذهب إلى أن ذلك لا يجوز عليها ولا يلزمها، إلا أن يكون قد تضمن عقد التجديد للسفه معرفة شهدائه لسفهها، وبه كان يفتي أبو عمر بن القطان - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ وهو القياس على مذهب من حد لجواز أفعالها حدا؛ لأنه حملها ببلوغها إليه على الرشد، وأجاز أفعالها فلا يصدق الأب في إبطال هذا الحكم لها بما يدعيه من سفهها، إلا أن يعلم صحة قوله؛ ويتخرج قول ابن أبي زمنين ومن ذهب مذهبه على الرواية التي رويت عن مالك أن عتقها وهباتها وصدقاتها جائزة بعد التعنيس - إن أجازها الوالد وقد تكلمنا على معنى الرواية بما يؤيد تأويلنا هذا فيها.