للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رِجَالٍ وَنِسَاءٍ فَجَعَلَ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِيهِ وَالنِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ صَلَّى عَلَى زَيْدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَجَعَلَهُ مِمَّا يَلِيهِ وَجَعَلَهَا مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ وَفِي الْقَوْمِ نَحْوُ ثَمَانِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَالُوا هَذِهِ السُّنَّةُ.

وَعُلِمَ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْجَوَازِ أَنَّ الْأَفْضَلَ إفْرَادُ كُلِّ جِنَازَةٍ بِصَلَاةٍ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَرْجَى قَبُولًا التَّأْخِيرُ لِذَلِكَ يَسِيرُ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي.

نَعَمْ إنْ خَشَى تَغَيُّرًا أَوْ انْفِجَارًا بِالتَّأْخِيرِ فَالْأَفْضَلُ الْجَمْعُ بَلْ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، وَلَوْ حَضَرَتْ الْجَنَائِزُ مُرَتَّبَةً فَوَلَّى السَّابِقَةَ أَوْلَى ذَكَرًا كَانَ مَيِّتُهُ أَوْ لَا، أَوْ مَعًا أَقْرَعَ بَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَلَمْ يُقَدَّمُوا بِالصِّفَاتِ قَبْلَ الْإِقْرَاعِ كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ التَّقْدِيمَ هُنَا وِلَايَةٌ فَلَمْ يُؤْثَرْ فِيهِ إلَّا الْإِقْرَاعُ، بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ مُجَرَّدُ فَضِيلَةِ الْقُرْبِ مِنْ الْإِمَامِ فَأَثَّرَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ الْفَاضِلَةُ، وَأَيْضًا فَالتَّقْدِيمُ هُنَا يُفَوِّتُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ حَقَّهُ مِنْ الْإِمَامَةِ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ لَا يُفَوِّتُ حَقَّ الْبَاقِينَ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى الْكُلِّ، وَإِنَّمَا فَوَّتَ عَلَيْهِ الْقُرْبَ مِنْ الْإِمَامِ فَقَطْ فَسُومِحَ بِهِ هُنَا، وَهَذَا نَظِيرُ مَا سَيَأْتِي مِنْ عَدَمِ تَقْدِيمِ الْأَفْضَلِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَيُقَدَّمُ لِلْإِمَامِ الرَّجُلُ ثُمَّ الصَّبِيُّ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْأُنْثَى، فَإِنْ كَانُوا رِجَالًا أَوْ نِسَاءً جُعِلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ وَاحِدًا خَلْفَ وَاحِدٍ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ لِيُحَاذِيَ الْجَمِيعَ وَقُدِّمَ إلَيْهِ أَفْضَلُهُمْ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْوَرَعُ وَالْخِصَالُ الْمُرَغِّبَةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُهُ أَقْرَبَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِالْحُرِّيَّةِ لِانْقِطَاعِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ، وَيُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ الْأَسْبَقُ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَفْضَلَ، ثُمَّ إنْ سَبَقَ رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ اسْتَمَرَّ أَوْ أُنْثَى ثُمَّ حَضَرَ ذَكَرٌ وَلَوْ صَبِيًّا أُخِّرَتْ عَنْهُ وَمِثْلُهَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الصِّحَّةِ أَوْ أَنَّ مَا هُنَا ذُكِرَ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ مِنْ الْإِقْرَاعِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد) هُوَ فِي مَرْتَبَةِ الْأَوَّلِ مِنْ تَقْدِيمِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، وَفِيهِ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الذَّكَرَ يُقَدَّمُ وَإِنْ كَانَتْ الْأُنْثَى أَصْلًا لَهُ وَأَنَّهُ وَقَعَ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَقَالُوا هَذِهِ السُّنَّةُ) أَيْ فِي مَقَامِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَرْجَى قَبُولًا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّتْ الْجَمَاعَةُ (قَوْلُهُ: بَلْ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا) أَيْ بِأَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ مَعًا أَقْرَعَ بَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ) أَيْ نَدْبًا لِتَمَكُّنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَلَاتِهِ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَيُقَدَّمُ لِلْإِمَامِ الرَّجُلُ ثُمَّ الصَّبِيُّ إلَخْ) أَيْ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَيُحَاذَى بِرَأْسِ الرَّجُلِ عَجِيزَةُ الْمَرْأَةِ اهـ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ (قَوْلُهُ: جَعَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ وَاحِدًا خَلْفَ وَاحِدٍ) أَيْ وَالشَّرْطُ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ وَلَوْ تَرَاصَّتْ شَيْئًا فَيَحْتَمِلُ أَيْضًا اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَبْعُدَ الْأَخِيرُ أَزْيَدَ مِنْ الْمَسَافَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ.

[فَائِدَةٌ] قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَيَكُونُونَ عَلَى يَمِينِهِ اهـ.

أَقُولُ: وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فَلْيُتَفَطَّنْ لَهُ اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَسَيَأْتِي لَهُ فِي الْمَرْأَةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا (قَوْلُهُ: وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ) عَطَفَ عَلَى الْمُرَغِّبَةِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْفِعْلِ عَلَى الِاسْمِ الشَّبِيهِ بِهِ، وَالْمَعْنَى الْمُرَغِّبَةُ وَالْمُغَلِّبَةُ عَلَى الظَّنِّ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَفْضَلَ) لَوْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ نَبِيًّا كَالسَّيِّدِ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَلْ يُؤَخَّرُ لَهُ الْأَسْبَقُ؟ فِيهِ نَظَرٌ.

ثُمَّ رَأَيْت حَجّ تَرَدَّدَ فِيهِ فِي فَتَاوِيهِ وَمَالَ إلَى أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ.

وَقَوْلُهُ جُعِلُوا صَفًّا عَنْ يَمِينِهِ. . إلَخْ ع هُوَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَعُلِّلَ بِأَنَّ جِهَةَ الْيَمِينِ أَشْرَفُ، وَقَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنْ يَكُونَ الْأَفْضَلُ فِي الرَّجُلِ الذَّكَرِ جَعْلَهُ عَلَى يَمِينِ الْمُصَلِّي فَيَقِفُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَيَكُونُ غَالِبًا عَلَى يَمِينِهِ فِي جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَهُوَ خِلَافُ عَمَلِ النَّاسِ نَعَمْ الْمَرْأَةُ وَكَذَا الْخُنْثَى السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ جِهَةُ رَأْسِهَا فِي جِهَةِ يَمِينِهِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِعَمَلِ النَّاسِ وَحِينَئِذٍ يَنْتِجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى جَعْلِ الْخَنَاثَى صَفًّا عَنْ الْيَمِينِ أَنْ تَكُونَ رِجْلَا الثَّانِي عِنْدَ رَأْسِ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: أَوْ أُنْثَى ثُمَّ حَضَرَ ذَكَرٌ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَوَلِيُّ السَّابِقَةِ أَوْلَى) أَيْ بِتَقَدُّمِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْكُلِّ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي إذْ الصُّورَةُ أَنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ: وَهَذَا نَظِيرُ مَا سَيَأْتِي) اُنْظُرْ فِي أَيِّ مَحَلٍّ يَأْتِي (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانُوا رِجَالًا) أَيْ فَقَطْ وَكَذَا قَوْلُهُ: أَوْ نِسَاءً (قَوْلُهُ: وَيُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ الْأَسْبَقُ مِنْ الذُّكُورِ) أَيْ إنْ كَانُوا كُلُّهُمْ ذُكُورًا، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْإِنَاثِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ مَعَهُ قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>