للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَابُ الْحَجِّ]

ِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَةً: الْقَصْدُ، وَشَرْعًا: قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلْأَفْعَالِ الْآتِيَةِ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّهُ نَفْسُ الْأَفْعَالِ الْآتِيَةِ وَاسْتَدَلَّ بِخَبَرِ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلْغَالِبِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ يَكُونُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ بِزِيَادَةٍ، وَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِي الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ عَرَفَةَ، لَكِنْ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: أَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ.

وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ أَرْكَانٌ لِلْمَقْصُودِ لَا لِلْقَصْدِ الَّذِي هُوَ الْحَجُّ فَتَسْمِيَتُهَا أَرْكَانُ الْحَجِّ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] وَخَبَرُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَالِ وَالْبَدَنِ إلَّا الصَّلَاةَ كَمَا مَرَّ أَنَّهَا أَفْضَلُ.

وَرُوِيَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

كِتَابُ الْحَجِّ (قَوْلُهُ: لُغَةً الْقَصْدُ) أَوْ كَثْرَتُهُ إلَى مَنْ يُعَظِّمُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلْغَالِبِ إلَخْ) أَيْ وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ مُبَايِنًا لِلُّغَوِيِّ لَكِنْ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ، وَعِبَارَةُ حَجّ اعْتِرَاضًا عَلَى تَفْسِيرِهِ بِالْأَفْعَالِ لَكِنْ يُعَكَّرُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ يَجِبُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ بِزِيَادَةٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٌ هُنَا إلَّا أَنْ يُقَال: إنَّ ذَلِكَ أَغْلَبِيٌّ أَوْ أَنَّ مِنْهَا النِّيَّةَ، وَهِيَ مِنْ جُزَيْئَاتِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَنَظِيرُهُ الصَّلَاةُ الشَّرْعِيَّةُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ اهـ.

يُعْنَى فَيَكُونُ إطْلَاقُ الْحَجِّ عَلَى الْأَفْعَالِ مَجَازًا مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ جُزْئِهِ، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ: أَيْ قَصْدُ الْكَعْبَةِ إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ) أَيْ قَوْلُهُ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ) بَلْ مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَحَجَّ خِلَافًا لِمَنْ اسْتَثْنَى هُودًا وَصَالِحًا اهـ زِيَادِي وحج.

وَقَوْلُهُ مَا مِنْ نَبِيٍّ شَمِلَ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِهِ صَرَّحَ السُّيُوطِيّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةُ بِالْإِعْلَامِ بِحُكْمِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَقَالَ عِيسَى مَعَ بَقَاءِ نُبُوَّتِهِ مَعْدُودٌ فِي أُمَّةِ النَّبِيِّ وَدَاخِلٌ فِي زُمْرَةِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ حَيٌّ مُؤْمِنًا بِهِ وَمُصَدِّقًا، وَكَانَ اجْتِمَاعُهُ بِهِ مَرَّاتٍ فِي غَيْرِ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ مِنْ جُمْلَتِهَا بِمَكَّةَ.

رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ «أَنَسٍ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إذْ رَأَيْنَا بَرْدًا وَيَدًا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا الْبَرْدُ الَّذِي رَأَيْنَا وَالْيَدُ؟ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ سَلَّمَ عَلَيَّ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ «أَنَسٍ قَالَ كُنْت أَطُوفُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوْلَ الْكَعْبَةِ إذْ رَأَيْته صَافَحَ شَيْئًا وَلَا نَرَاهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاك صَافَحْت شَيْئًا وَلَا نَرَاهُ، قَالَ: ذَاكَ أَخِي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ انْتَظَرْته حَتَّى قَضَى طَوَافَهُ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ»

اهـ بِحُرُوفِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ) قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَالْحَجُّ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ حَتَّى التَّبَعَاتِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إنَّ مَاتَ فِي حَجِّهِ أَوْ بَعْدِهِ وَقَبْلِ تُمَكِّنْهُ مِنْ أَدَائِهَا (قَوْلُهُ: لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَالِ) وَهُوَ مَا يَجِبُ أَوْ يُنْدَب مِنْ الدِّمَاءِ الْآتِيَةِ.

ــ

[حاشية الرشيدي]

كِتَابُ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ أَرْكَانٌ لِلْمَقْصُودِ إلَخْ) هَذَا الْجَوَابُ لِلشِّهَابِ حَجّ فِي إمْدَادِهِ، وَلَكِنْ قَالَ الشِّهَابُ سم: إنَّهُ تَكَلُّفٌ بَعِيدٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>