(فَصْلٌ) فِي الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ وَحُكْمِ التَّبَرُّعَاتِ فِي الْمَرَضِ (يَنْبَغِي) لِمَنْ وَرَثَتُهُ فُقَرَاءُ أَوْ أَغْنِيَاءُ (أَنْ لَا يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) بَلْ الْأَحْسَنُ أَنْ يُنْقِصَ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَكْثَرَهُ فَقَالَ «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ جَمْعٌ بِكَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ وَجَمْعٌ بِحُرْمَتِهَا.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَتَعَيَّنُ الْجَزْمُ بِهَا عِنْدَ قَصْدِ حِرْمَانِ الْوَارِثِ انْتَهَى.
وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الْوَقْفِ (فَإِنْ زَادَ) عَلَى الثُّلُثِ (وَرَدَّ الْوَارِثُ) الْخَاصُّ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ الزِّيَادَةَ (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ (فِي الزَّائِدِ) إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ، فَإِنْ كَانَ عَامًّا بَطَلَتْ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ رَدٍّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا مُجِيزَ (وَإِنْ أَجَازَ) وَهُوَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ إجَازَتُهُ بَلْ تُوقَفُ إلَى تَأَهُّلِهِ كَمَا مَرَّ، لَكِنْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَ رَجَاءِ زَوَالِهِ وَإِلَّا كَجُنُونٍ مُسْتَحْكَمٍ أَيِسَ مِنْ بُرْئِهِ فَتَبْطَلُ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ذَلِكَ بِأَنْ شَهِدَ بِهِ خَبِيرَانِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُوصِي وَقَعَ صَحِيحًا فَلَا يُبْطِلُهُ إلَّا مَانِعٌ قَوِيٌّ، وَعَلَى كُلٍّ فَمَتَى بَرَأَ وَأَجَازَ بَانَ نُفُوذُهَا (فَإِجَازَتُهُ تَنْفِيذٌ) أَيْ إمْضَاءٌ لِتَصَرُّفِ الْمُوصِي بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لِصِحَّتِهِ كَمَا مَرَّ، وَحَقُّ الْوَارِثِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي ثَانِي حَالٍ فَأَشْبَهَ عَفْوَ الشَّفِيعِ (وَفِي قَوْلِهِ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَالْوَصِيَّةُ) عَلَى الثَّانِي (بِالزِّيَادَةِ لَغْوٌ) «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالنِّصْفِ وَبِالثُّلُثَيْنِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
[فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ]
(قَوْلُهُ: لِغَيْرِ الْوَارِثِ) وَمِنْهَا التَّبَرُّعَاتُ الْمُعَلَّقَةُ بِالْمَوْتِ فَلَا تُزَادُ فِي التَّرْجَمَةِ وَإِنَّمَا يُزَادُ فِيهَا وَمَا يَتَّصِلُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِحَاضِرٍ هُوَ ثُلُثُ مَالِهِ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي لِمَنْ وَرَثَتُهُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: بَلْ الْأَحْسَنُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ شَيْئًا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ خِلَافُ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ نَصْبُ الثُّلُثِ وَرَفْعُهُ، فَأَمَّا نَصْبُهُ فَعَلَى الْإِغْرَاءِ أَوْ بِتَقْدِيرِ فِعْلٍ: أَيْ أَعْطِ الثُّلُثَ، وَأَمَّا رَفْعُهُ فَعَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ: أَيْ يَكْفِيك الثُّلُثُ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَوْ خَبَرٌ مَحْذُوفُ الْمُبْتَدَإِ انْتَهَى.
أَيْ الثُّلُثُ كَافِيكَ أَوْ كَافِيكَ الثُّلُثُ تَمَامُهُ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ «إنَّكَ إنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَأَنْ تَذَرَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالْعَالَةُ جَمْعُ الْعَائِلِ وَهُوَ الْفَقِيرُ، وَيَتَكَفَّفُونَ: أَيْ يَمُدُّونَ إلَى النَّاسِ أَكُفَّهُمْ لِلسُّؤَالِ انْتَهَى.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنْ تَذَرَ بِمَعْنَى لَأَنْ تَذَرَ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ جَمْعٌ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ بِكَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ: أَيْ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ فِيمَا يَظْهَرُ إذْ لَا نَعْلَمُ حَالَ الْمَالِ وَقْتَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ عَامًّا بَطَلَتْ) أَيْ فِي الزَّائِدِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَجَازَ) أَيْ بِنَحْوِ أَجَزْت الْوَصِيَّةَ أَوْ أَمْضَيْتهَا أَوْ رَضِيت بِمَا فَعَلَهُ الْمُوصِي (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ) أَيْ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: فَتَبْطَلُ) أَيْ ظَاهِرًا لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَفَاقَ وَأَجَازَ نَفَذَتْ إجَازَتُهُ (قَوْلُهُ وَعَلَى كُلٍّ) أَيْ سَوَاءٌ أَيِسَ مِنْ بُرْئِهِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ فِي ثَانِي حَالِهِ) وَهُوَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ لَا وَقْتَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: عَفْوُ الشَّفِيعِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ لَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَالْوَصِيَّةُ)
[حاشية الرشيدي]
فَصْلٌ) فِي الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ
(قَوْلُهُ: بَلْ تُوقَفُ) يَعْنِي الْوَصِيَّةَ (قَوْلُهُ: عِنْدَ رَجَاءِ زَوَالِهِ) يَعْنِي الْمَانِعَ الْمَفْهُومَ مِنْ وَإِلَّا (قَوْلُهُ: بِأَنَّ نُفُوذَهَا) قَالَ الشِّهَابُ سم: وَحِينَئِذٍ لَوْ تَصَرَّفَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَهَلْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ التَّصَرُّفِ أَوْ صِحَّتُهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute