للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ أَوْ الْمَجْلِسِ لِتَوَارٍ أَوْ تَعَزُّزٍ مَعَ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ (هُوَ جَائِزٌ) فِي كُلِّ شَيْءٍ سِوَى عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَأْتِي، وَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ لِلْحَاجَةِ وَلِتَمَكُّنِهِ مِنْ إبْطَالِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِإِثْبَاتِ طَاعِنٍ فِي الْبَيِّنَةِ بِنَحْوِ فِسْقٍ أَوْ فِي الْحَقِّ بِنَحْوِ أَدَاءً، وَلَيْسَ لَهُ سُؤَالُ الْقَاضِي عَنْ كَيْفِيَّةِ الدَّعْوَى لِأَنَّ تَحْرِيرَهَا إلَيْهِ. نَعَمْ إنْ سُجِّلَتْ فَلَهُ الْقَدْحُ بِإِبْدَاءِ مُبْطِلٍ لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا شَكَتْ لَهُ مِنْ شُحِّهِ خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» فَهُوَ قَضَاءٌ عَلَيْهِ لَا إفْتَاءٌ، وَإِلَّا لَقَالَ لَك أَنْ تَأْخُذِي مَثَلًا، وَرَدَّهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا بِمَكَّةَ غَيْرَ مُتَوَارٍ وَلَا مُتَعَزِّزٍ لِأَنَّ الْوَاقِعَةَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ لَمَّا حَضَرَتْ هِنْدُ لِلْمُبَايَعَةِ، وَذَكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا أَنْ لَا يَسْرِقْنَ، فَذَكَرَتْ هِنْدُ ذَلِكَ، وَاعْتَرَضَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهَا وَلَمْ يُقَدِّرْ الْمَحْكُومَ بِهِ لَهَا وَلَمْ يُحَرِّرْ دَعْوَى عَلَى مَا شَرَطُوهُ، وَالدَّلِيلُ الْوَاضِحُ أَنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَالْحُكْمُ مِثْلُهَا، وَالْقِيَاسُ عَلَى سَمَاعِهَا عَلَى مَيِّتٍ وَصَغِيرٍ مَعَ أَنَّهُمَا أَعْجَزُ عَنْ الدَّفْعِ عَنْ الْغَائِبِ، وَإِنَّمَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِشُرُوطِهَا الْآتِيَةِ فِي بَابِهَا مَعَ زِيَادَةِ شُرُوطٍ أُخْرَى. مِنْهَا أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ عَلَيْهِ إلَّا (إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ) حُجَّةٌ يَعْلَمُهَا الْحَاكِمُ وَقْتَ الدَّعْوَى عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَجَوَّزَ سَمَاعَهَا إذَا حَدَثَ بَعْدَهَا عِلْمُ الْبَيِّنَةِ وَتَحَمُّلُهَا، وَهُوَ الْأَوْجَهُ. ثُمَّ تِلْكَ الْحُجَّةُ إمَّا (بَيِّنَةٌ) وَلَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا فِيمَا يُقْضَى فِيهِ بِهِمَا، وَإِمَّا عِلْمُ الْقَاضِي دُونَ مَا عَدَاهُمَا لِتَعَذُّرِ الْإِقْرَارِ وَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ (وَادَّعَى الْمُدَّعِي جُحُودَهُ) وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ لَهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

[بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ]

(قَوْلُهُ: وَلِتَمَكُّنِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ عَنْ كَيْفِيَّةِ الدَّعْوَى) أَيْ الْأُولَى، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ تَحْرِيرَهَا إلَيْهِ أَيْ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَهُ) أَيْ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ عَلَى سَمَاعِهَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْقَضَاء (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا) هَلْ يَجِبُ مَعَ هَذِهِ الْيَمِينِ يَمِينُ الِاسْتِظْهَارِ أَمْ يُكْتَفَى بِهَا الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ. ثُمَّ رَأَيْت الدَّمِيرِيِّ صَرَّحَ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ: فَرْعٌ: يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ كَالْحَاضِرِ، وَهَلْ يَكْفِي يَمِينٌ أَمْ يُشْتَرَطُ يَمِينَانِ إحْدَاهُمَا لِتَكْمِيلِ الْحُجَّةِ وَالثَّانِيَةُ لِنَفْيِ الْمُسْقِطَاتِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا الثَّانِي اهـ. وَيُصَرِّحُ بِهِ إبْقَاءُ الشَّارِحِ لِلْمَتْنِ عَلَى إطْلَاقِهِ فِي قَوْلِهِ الْآتِي وَيَجِبُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ الْبَيِّنَةُ السَّابِقَةُ فِي قَوْلِهِ هُنَا إنْ كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَقَدْ شَرَحَهَا الشَّارِحُ كَمَا تَرَى بِقَوْلِهِ وَلَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا، فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ أَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ)

(قَوْلُهُ: وَلِتَمَكُّنِهِ) أَيْ بَعْدَ حُضُورِهِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ سُؤَالُ الْقَاضِي) قَيَّدَهُ فِي التُّحْفَةِ بِالْقَاضِي الْأَهْلِ، وَأَسْقَطَهُ الشَّارِحُ لَعَلَّهُ قَصْدًا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَهُ) أَيْ الدَّلِيلَ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ) أَيْ بَعْدَ سَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي حُضُورِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اعْتَرَضَهُ) أَيْ اعْتَرَضَ اشْتِرَاطَ عِلْمِ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ السِّيَاقِ، لَكِنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ الْبُلْقِينِيَّ إنَّمَا نَازَعَ فِي اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْمُدَّعِي بِهَا بَلْ وَفِي وُجُودِهَا حِينَئِذٍ مِنْ أَصْلِهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ حَوَاشِي وَالِدِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَحَمُّلُهَا) هُوَ بِالرَّفْعِ: أَيْ أَوْ حَدَثَ تَحَمُّلُهَا، وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ تَسْمَعَ إقْرَارَ الْغَائِبِ بَعْدَ وُقُوعِ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَوْجَهُ) اُنْظُرْ هَلْ هُوَ رَاجِعٌ لِاعْتِرَاضِ الْبُلْقِينِيِّ أَوْ لِمَا قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ رَاجِعًا لِاعْتِرَاضِ الْبُلْقِينِيِّ فَكَانَ يَنْبَغِي حَذْفُ لَفْظِ إنْ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَخْ) صَرِيحٌ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ مَعَ زِيَادَةِ شُرُوطٍ أُخْرَى إلَخْ أَنَّ ذِكْرَ لُزُومِ التَّسْلِيمِ وَالْمُطَالَبَةُ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الشُّرُوطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>