للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَعْبِيرُهُ بِالْبَلَدِ مِثَالٌ فَالصَّحْرَاءُ كَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَيَنْتَظِمُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ، وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ فِي الْبَلَدَيْنِ الْمُتَّصِلَيْنِ أَوْ الْمُتَقَارِبَيْنِ لَا سِيَّمَا وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِالدَّفْنِ خَارِجَ الْبَلَدِ، وَلَعَلَّ الْعِبْرَةَ فِي كُلِّ بَلَدٍ بِمَسَافَةِ مَقْبَرَتِهَا.

أَمَّا بَعْدَ دَفْنِهِ فَسَيَأْتِي (وَقِيلَ يُكْرَهُ) لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ نَصَّ عَلَيْهِ) إمَامُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَإِنْ نُوزِعَ فِي ثُبُوتِهِ عَنْهُ، إذْ مَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ لِفَضْلِهَا وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَائِدٌ لِلْكَرَاهَةِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ أَوْ إلَيْهِمَا مَعًا، وَهُوَ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ عَقِبَ الْجُمَلِ، وَمُرَادُهُ بِالْقُرْبِ مَسَافَةٌ لَا يَتَغَيَّرُ الْمَيِّتُ فِيهَا قَبْلَ وُصُولِهِ، وَالْمُرَادُ بِمَكَّةَ جَمِيعُ الْحَرَمِ لَا نَفْسَ الْبَلَدِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ: وَلَا يَنْبَغِي التَّخْصِيصُ بِالثَّلَاثَةِ لَوْ كَانَ بِقُرْبِ مَقَابِرِ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَقْصِدُ الْجَارَ الْحَسَنَ.

قَالَ: وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الشَّهِيدِ وَقَدْ مَرَّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِنَقْلِهِ مِنْ مَحَلِّ مَوْتِهِ إلَى مَحَلٍّ مِنْ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ نُفِّذَتْ وَصِيَّتُهُ حَيْثُ قَرُبَ، وَأُمِنَ التَّغَيُّرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ.

وَمَحَلُّ جَوَازِ نَقْلِهِ بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ لَتَوَجَّهَ فَرْضُ ذَلِكَ عَلَى مَحَلِّ مَوْتِهِ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ بِجَوَازِ نَقْلِهِ، قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَلَوْ مَاتَ سُنِّيٌّ فِي مَحَلِّ بِدْعَةٍ وَلَمْ يُمْكِنْ إخْفَاءُ قَبْرِهِ نُقِلَ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَمِيرُ الْجَيْشِ وَنَحْوُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَعَلِمَ بِهِ الْكُفَّارُ وَخِفْنَا عَلَيْهِ مِنْ دَفْنِهِ، ثُمَّ مِنْ إخْرَاجِهِ وَالتَّمْثِيلِ بِهِ.

وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَحْوُ السَّيْلِ يَعُمُّ مَقْبَرَةَ الْبَلَدِ وَيُفْسِدُهَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَنْ اعْتَادَ الدَّفْنَ فِيهَا أَوْ فِي أنبابة فِيمَا يَظْهَرُ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ مَقَابِرُ مُتَعَدِّدَةٌ كَبَابِ النَّصْرِ وَالْقَرَافَةِ وَالْأَزْبَكِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِأَهْلِ مِصْرَ فَلَهُ الدَّفْنُ فِي أَيُّهَا شَاءَ؛ لِأَنَّهَا مَقْبَرَةُ بَلَدِهِ، بَلْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا بِقُرْبِ أَحَدِهَا جِدًّا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: أَرْبَعُ مَسَائِلَ) وَهِيَ نَقْلُهُ مِنْ بَلَدٍ لِبَلَدٍ أَوْ لِصَحْرَاءَ أَوْ مِنْ صَحْرَاءَ لِصَحْرَاءَ أَوْ بَلَدٍ (قَوْلُهُ: بِمَسَافَةِ مَقْبَرَتِهَا) يَعْنِي فَلَوْ أَرَادَ النَّقْلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ اُعْتُبِرَ فِي التَّحْرِيمِ الزِّيَادَةُ عَلَى مِثْلِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ وُصُولِهِ) أَيْ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهَا غَالِبًا وَلَوْ زَادَتْ عَنْ يَوْمٍ، وَمِنْ التَّغَيُّرِ انْتِفَاخُهُ أَوْ نَحْوُهُ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِمَكَّةَ جَمِيعُ الْحَرَمِ) قَالَ حَجّ: وَكَذَا الْبَاقِي اهـ.

وَالْأَوْلَى إذَا وَصَلَ إلَى الْحَرَمِ أَنْ يُدْفَنَ فِي مَقْبَرَتِهِ لَا فِي غَيْرِهَا لِمَا عَلَّلُوا بِهِ أَوْلَوِيَّةَ الدَّفْنِ فِي الْمَقْبَرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ الدَّفْنُ فِي الْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ شَامِلٌ لِهَذِهِ الْبِلَادِ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ: فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ) نَقَلَ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الشَّارِحِ أَنَّهُ مَالَ لِخِلَافِهِ أَخْذًا بِإِطْلَاقِهِمْ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الشَّهِيدِ) أَيْ مِنْ النَّقْلِ فَيَحْرُمُ (قَوْلُهُ مِنْ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ) أَيْ أَمَّا غَيْرُهَا فَيَحْرُمُ تَنْفِيذُهَا (قَوْلُهُ: نُفِّذَتْ وَصِيَّتُهُ) أَيْ وَلَوْ دُفِنَ بِغَيْرِهَا نُقِلَ وُجُوبًا عَمَلًا بِوَصِيَّتِهِ عَلَى مَا يَأْتِي وَالْمُعْتَمَدُ مِنْهُ عَدَمُ النَّقْلِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَأَمِنَ التَّغَيُّرَ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: عَلَى مَحَلِّ مَوْتِهِ) أَيْ أَهْلِ مَحَلٍّ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُمْكِنُ إخْفَاءُ قَبْرِهِ نُقِلَ) أَيْ جَازَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: يَعُمُّ مَقْبَرَةَ الْبَلَدِ وَيُفْسِدُهَا) أَيْ وَلَوْ فِي بَعْضِ فُصُولِ السَّنَةِ كَأَنْ كَانَ الْمَاءُ يُفْسِدُهَا زَمَنَ النِّيلِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ نَقْلُهُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ.

وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ النَّقْلِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَإِلَّا دُفِنَ بِمَكَانِهِ، وَيُحْتَاطُ فِي إحْكَامِ قَبْرِهِ بِالْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ كَجَعْلِهِ فِي صُنْدُوقٍ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[نَقْلُ الْمَيِّتِ قَبْلَ دَفْنِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ]

وَلَعَلَّ الْعِبْرَةَ فِي كُلِّ بَلَدٍ بِمَسَافَةِ مَقْبَرَتِهَا) أَيْ فَلَا يَحْرُمُ نَقْلُهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ إلَّا إذَا كَانَ أَبْعَدَ مَسَافَةً مِنْ مَقْبَرَةِ بَلَدِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَائِدٌ لِلْكَرَاهَةِ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ هَذَا الِاسْتِنْتَاجِ (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ) فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، إذْ لَا يَلْزَمُهُ مِنْ انْتِفَاءِ الْكَرَاهَةِ الَّتِي هِيَ أَخَفُّ انْتِفَاءُ الْحُرْمَةِ الَّتِي هِيَ أَثْقَلُ، إذْ الْكَرَاهَةُ تَنْتَفِي بِأَدْنَى سَبَبٍ لِلتَّسَامُحِ فِيهَا بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ قَالَ وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الشَّهِيدِ) أَيْ فَلَا يُنْقَلُ وَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ أَحَدِ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُرَدُّوا إلَى مَصَارِعِهِمْ وَكَانُوا نُقِلُوا إلَى الْمَدِينَةِ (قَوْلُهُ: فِي مَحَلِّ بِدْعَةٍ) أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>