للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَحْرُمُ) لِخَبَرِ «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» وَحُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ زِيَارَتُهُنَّ لِلتَّعْدِيدِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ، أَوْ كَانَ فِيهِ خُرُوجٌ مُحَرَّمٌ (وَقِيلَ تُبَاحُ) إذَا أُمِنَ الِافْتِتَانُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَالْخَبَرِ فِيمَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ، وَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ الْإِبَاحَةَ مِنْ حِكَايَةِ الرَّافِعِيِّ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ، وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَذَكَرَ فِيهِ حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَأَنَّ الِاحْتِيَاطَ لِلْعَجُوزِ تَرْكُ الزِّيَارَةِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَمَحَلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي غَيْرِ زِيَارَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمَّا هِيَ فَلَا تُكْرَهُ بَلْ تَكُونُ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ قُبُورُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَهُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ إلْحَاقِ قَبْرِ أَبَوَيْهَا وَإِخْوَتِهَا وَبَقِيَّةِ أَقَارِبِهَا بِذَلِكَ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ، وَإِنْ بَحَثَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ الْإِلْحَاقِ (وَيُسَلِّمُ الزَّائِرُ) لِقُبُورِ الْمُسْلِمِينَ نَدْبًا مُسْتَقْبِلًا وَجْهَهُ قَائِلًا مَا عَلَّمَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ إذَا خَرَجُوا لِلْمَقَابِرِ «السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدَّارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ " زَادَ أَبُو دَاوُد «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ» لَكِنْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَقَوْلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِلتَّبَرُّكِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْتِ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ أَوْ عَلَى الْإِسْلَامِ، أَوْ أَنَّ إنْ بِمَعْنَى إذْ.

وَأَمَّا قُبُورُ الْكُفَّارِ فَالْقِيَاسُ عَدَمُ جَوَازِ السَّلَامِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ بَلْ أَوْلَى (وَيَقْرَأُ وَيَدْعُو) عَقِبَ قِرَاءَتِهِ، وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَهُوَ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ أَقْرَبُ لِلْإِجَابَةِ

(وَيَحْرُمُ) (نَقْلُ الْمَيِّتِ) قَبْلَ دَفْنِهِ مِنْ بَلَدِ مَوْتِهِ (إلَى بَلَدٍ آخَرَ) وَإِنْ أُمِنَ تَغَيُّرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ دَفْنِهِ الْمَأْمُورِ بِتَعْجِيلِهِ وَتَعْرِيضِهِ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْخَمِيسِ إلَى شَمْسِ السَّبْتِ فَخَصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ تَحْضُرُ الْأَرْوَاحُ فِيهِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ حُضُورٌ خَاصٌّ، وَإِلَّا فَلِلْأَرْوَاحِ ارْتِبَاطٌ بِالْقُبُورِ مُطْلَقًا، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ يُقَالُ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُطْلَبَ الزِّيَارَةُ يَوْمَ السَّبْتِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَزُورُ شُهَدَاءَ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَعَلَّهُ خَصَّهُ لِبُعْدِهِمْ عَنْ الْمَدِينَةِ وَضِيقِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْأَعْمَالُ الْمَطْلُوبَةِ فِيهِ مِنْ التَّبْكِيرِ وَغَيْرِهِ، وَأَظُنُّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا كَلَامٌ فَرَاجِعْهُ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ

(قَوْلُهُ: وَحُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ زِيَارَتُهُنَّ لِلتَّعْدِيدِ) لَا يُقَالُ: لَا يَصْلُحُ لِلْحَمْلِ عَلَى مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ النَّوْحَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ حَرَامٌ، وَالزِّيَارَةُ مَكْرُوهَةٌ وَالْحَرَامُ إذَا اقْتَرَنَ بِغَيْرِهِ لَا يُصَيِّرُهُ حَرَامًا لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا كَانَ الْخُرُوجُ بِقَصْدِهِ حَرُمَ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى حَرَامٍ كَالسَّفَرِ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ مَعْصِيَةٌ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً لَهَا (قَوْلُهُ: سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ) زَادَ حَجّ وَالْعُلَمَاءِ أَيْ الْعَامِلِينَ (قَوْلُهُ وَالْأَوْلِيَاءِ) أَيْ مَنْ اُشْتُهِرَ بِتِلْكَ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ أَوْ الْوَلِيُّ (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ) أَيْ مَا لَمْ يَكُونُوا عُلَمَاءَ أَوْ أَوْلِيَاءَ (قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمُ الزَّائِرُ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَبَ مِنْهُ عُرْفًا بِحَيْثُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَسَمِعَهُ، وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا؛ لِأَنَّ أُمُورَ الْآخِرَةِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، وَقَدْ يَشْهَدُ لَهُ إطْلَاقُهُمْ مِنْ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْمَقْبَرَةِ مَعَ أَنَّ صَوْتَ الْمُسَلِّمِ لَا يَصِلُ إلَى جُمْلَتِهِمْ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً (قَوْلُهُ: قَائِلًا مَا عَلَّمَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَيَنْبَغِي لِلزَّائِرِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَذَا وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ عَائِشَةَ وَيُقَدِّمَ أَيَّهُمَا شَاءَ (قَوْلُهُ: فَالْقِيَاسُ عَدَمُ جَوَازِ السَّلَامِ) أَيْ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ) وَتَتَحَقَّقُ إجَابَةُ الدَّاعِي حَيْثُ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُ الدُّعَاءِ كَأَكْلِ الْحَلَالِ وَالْإِخْلَاصِ فِي الدُّعَاءِ وَحُضُورِ الْقَلْبِ إلَخْ، وَتُحْتَمَلُ الْإِجَابَةُ مَعَ اخْتِلَالِ بَعْضِ الشُّرُوطِ بَلْ مَعَ انْتِفَاءِ جَمِيعِهَا فَلَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ عِنْدَ عَدَمِ اسْتِجْمَاعِ الشُّرُوطِ

(قَوْلُهُ: مِنْ بَلَدِ مَوْتِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ دَفْنَ أَهْلِ أنبابة مَوْتَاهُمْ فِي الْقَرَافَةِ لَيْسَ مِنْ النَّقْلِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ الْقَرَافَةَ صَارَتْ مَقْبَرَةً لِأَهْلِ أنبابة، فَالنَّقْلُ إلَيْهَا لَيْسَ نَقْلًا عَنْ مَقْبَرَةِ مَحَلِّ مَوْتِهِ وَهُوَ أنبابة م ر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ: أَيْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ) أَيْ تَبِعَ الرَّافِعِيَّ فِي حِكَايَةِ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الِاحْتِيَاطَ لِلْعَجُوزِ) مَعْطُوفٌ عَلَى حَمْلٍ مِنْ قَوْلِهِ وَذَكَرَ فِيهِ أَيْ فِي الْمَجْمُوعِ حَمْلَ إلَخْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُرَتَّبٌ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الْكَرَاهَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>