للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَنْ يَنْوِيَهُمَا ابْتِدَاءً أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِمَا فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ؛ لِخَبَرِ «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الظُّهْرِ مَثَلًا مَثْنَى، أَمَّا التَّنَفُّلُ بِالْأَوْتَارِ فَغَيْرُ مُسْتَحَبٍّ.

(وَيُسَنُّ) (التَّهَجُّدُ) بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: ٧٩] وَلِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ التَّنَفُّلُ لَيْلًا بَعْدَ نَوْمٍ. وَيُسَنُّ لِلْمُتَهَجِّدِ نَوْمُ الْقَيْلُولَةِ وَهُوَ قُبَيْلَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ كَالسُّحُورِ لِلصَّائِمِ (وَيُكْرَهُ قِيَامُ) أَيْ سَهَرُ (كُلُّ اللَّيْلِ) وَلَوْ فِي عِبَادَةٍ (دَائِمًا) لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلِضَرَرِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْخَبَرِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ حَتَّى أَنَّهُ يُكْرَهُ قِيَامٌ مُضِرٌّ وَلَوْ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، وَاحْتَرَزَ بِكُلِّ عَنْ قِيَامِ لَيَالٍ كَامِلَةٍ كَالْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْلَتَيْ الْعِيدِ فَيُسْتَحَبُّ إحْيَاؤُهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ صَوْمُ الدَّهْرِ بِقَيْدِهِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي فِي اللَّيْلِ مَا فَاتَهُ، وَهُنَا لَا يُمْكِنُهُ نَوْمُ النَّهَارِ لِتَعَطُّلِ ضَرُورِيَّاتِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ.

(وَ) يُكْرَهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَجَلَّ يُمْهِلُ حَتَّى يَمْضِيَ شَطْرُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي فَيَقُولُ هَلْ مِنْ دَاعٍ. اهـ.

وَقَوْلُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى أَنَّ النُّزُولَ آخِرُ الثُّلُثَيْنِ الْأَوْلَيْنَ (قَوْلُهُ: أَوْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِمَا) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَلَا يَبْعُدُ مِنْ تَرَدُّدِ أَنَّ الْأَفْضَلَ الْإِتْيَانُ بِمَا نَوَاهُ. اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: فَغَيْرُ مُسْتَحَبٍّ) أَيْ وَلَا مَكْرُوهٍ اهـ حَجّ وَلَوْ بِوَاحِدَةٍ كَمَا مَرَّ.

[حُكْمُ التَّهَجُّد]

(قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّنَفُّلُ لَيْلًا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِرَكْعَةٍ وَفِي سم عَلَى حَجّ ظَاهِرُهُ إخْرَاجُ فِعْلِ الْفَرَائِضِ بِأَنْ قَضَى فَوَائِتَ. اهـ.

وَنَقَلَ عَنْ إفْتَاءِ الشَّارِحِ أَنَّ النَّفَلَ لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: ذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّ الْمُتَهَجِّدَ يَشْفَعُ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ اسْتَنْبَطَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: ٧٩] الْآيَةَ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَسْمَاءِ بِنْتِ يَزِيدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ تَعَالَى يَحْشُرُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنَادِي مُنَادٍ أَيْنَ الَّذِينَ كَانَتْ تَتَجَافَى جَنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيلٌ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِالنَّاسِ إلَى الْحِسَابِ» .

وَرُئِيَ الْجُنَيْدُ فِي النَّوْمِ فَقِيلَ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك؟ قَالَ: طَاحَتْ تِلْكَ الْإِشَارَاتُ وَغَابَتْ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ وَفَنِيَتْ تِلْكَ الْعُلُومُ وَنَفِدَتْ تِلْكَ الرُّسُومُ وَمَا نَفَعَنَا إلَّا رَكَعَاتٌ كُنَّا نَرْكَعُهَا عِنْدَ السَّحَرِ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.

وَقَوْلُهُ اسْتَنْبَطَهُ لَعَلَّهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: ٧٩] فَإِنَّ كَوْنَهُ كَذَلِكَ يَقْتَضِي الشَّفَاعَةَ. [فَائِدَةٌ] قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ: مِنْ خَصَائِصِنَا الْجَمَاعَةُ وَالْجُمُعَةُ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْوِتْرِ اهـ مُنَاوِيٌّ عِنْدَ قَوْلِهِ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ» إلَخْ (قَوْلُهُ: بَعْدَ نَوْمٍ) أَيْ وَبَعْدَ فِعْلِ الْعِشَاءِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى مَنْهَجٍ مَا نَصُّهُ: فَرْعٌ: يَدْخُلُ وَقْتُ التَّهَجُّدِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَفِعْلِهَا، وَلَا يَكْفِي دُخُولُ وَقْتِ الْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نَوْمٍ فَهُوَ كَالْوِتْرِ فِي تَوَقُّفِهِ عَلَى فِعْلِ الْعِشَاءِ وَلَوْ جَمْعَ تَقْدِيمٍ مَعَ الْمَغْرِبِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ بَعْدَ نَوْمٍ م ر.

وَمُقْتَضَى قَوْلِ شَيْخِنَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَهُوَ: أَيْ التَّهَجُّدُ الصَّلَاةُ بَعْدَ النَّوْمِ وَلَوْ فِي وَقْتٍ لَا يَكُونُ النَّاسُ فِيهِ نِيَامًا. اهـ. أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ فَلْيُرَاجِعْ.

وَعِبَارَتُهُ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ: وَهَلْ يَكْفِي النَّوْمُ عَقِبَ الْغُرُوبِ يَسِيرًا أَوْ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ يُسْتَبْعَدُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ. اهـ. أَيْ فَلَا بُدَّ فِي كَوْنِ النَّوْمِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَلَوْ قَبْلَ فِعْلِهَا. اهـ.

وَيُوَافِقُ هَذَا مَا نَقَلَ عَنْ حَاشِيَةِ الشِّهَابِ الرَّمْلِيُّ عَلَى الرَّوْضِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ: أَيْ النَّوْمُ وَقْتَ نَوْمٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قُبَيْلُ الزَّوَالِ) قَالَ شَيْخُنَا: إنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ مَا تَرَكَ نَوْمَ الْقَيْلُولَةِ لَا صَيْفًا وَلَا شِتَاءً. وَيَنْبَغِي أَنَّ قَدْرَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَادَةِ النَّاسِ فِيمَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى التَّهَجُّدِ (قَوْلُهُ: كُلُّ اللَّيْلِ) يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: حَتَّى إنَّهُ يُكْرَهُ قِيَامٌ مُضِرٌّ إلَخْ) لَا مَوْقِعَ لِهَذِهِ الْغَايَةِ هُنَا، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ فِيهَا حَتَّى إنَّهُ يُكْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>