للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(تَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ) أَيْ صَلَاةٍ لِخَبَرِ «لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنَ اللَّيَالِيِ» وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ كَرَاهَةِ إحْيَائِهَا مَضْمُومَةً لِمَا قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا وَهُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي صَوْمِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَتَخْصِيصُهُمْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِذَلِكَ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ كَرَاهَةِ تَخْصِيصِ غَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ وَقْفَةٌ. أَمَّا إحْيَاؤُهَا بِغَيْرِ صَلَاةٍ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا سِيَّمَا بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ فِيهَا.

(وَ) يُكْرَهُ (تَرْكُ تَهَجُّدٍ اعْتَادَهُ) مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِخَبَرِ «يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ ثُمَّ تَرَكَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيُسَنُّ أَنْ لَا يُخِلَّ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ، وَإِنْ قَلَّتْ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَأَنْ يُكْثِرَ فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَنِصْفُهُ الْأَخِيرُ آكَدُ وَأَفْضَلُهُ عِنْدَ السَّحَرِ، وَأَنْ يُوقِظَ مِنْ يَطْمَعُ فِي تَهَجُّدِهِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ وَيُسَنُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَنْوِيَ الشَّخْصُ الْقِيَامَ عِنْدَ النَّوْمِ، وَأَنْ يَمْسَحَ الْمُتَيَقِّظُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَأَنْ يَنْظُرَ إلَى السَّمَاءِ وَأَنْ يَقْرَأَ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران: ١٩٠] إلَى آخِرِهَا. وَأَنْ يَفْتَتِحَ تَهَجُّدَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، وَإِطَالَةُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ تَكْثِيرِ الرَّكَعَاتِ، وَأَنْ يَنَامَ مَنْ نَعَسَ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى يَذْهَبَ نَوْمُهُ وَلَا يَعْتَادُ مِنْهُ إلَّا مَا يَظُنُّ إدَامَتَهُ عَلَيْهِ، وَيَتَأَكَّدُ إكْثَارُ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَنِصْفُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ آكَدُ، وَعِنْدَ السَّحَرِ أَفْضَلُ.

ــ

[حاشية الشبراملسي]

كَأَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِحِرَاسَةِ زَرْعِهِ أَوْ مَاشِيَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: لِخَبَرِ لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ) : قِيلَ: وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ الْقِيَامِ بِوَظَائِفِ يَوْمِهَا، لَكِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةُ تَقْتَضِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْقِيَامِ بَلْ تَجْرِي فِي إحْيَائِهَا بِغَيْرِهِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ فِي الْقِيَامِ بِأَعْمَالٍ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ عَلَى وَجْهٍ شَاقٍّ عَادَةً بِخِلَافِ غَيْرِهِ حَمْدَانُ (قَوْلُهُ: فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ) اُنْظُرْ مَا حِكْمَةُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْعِلَّةَ مَوْجُودَةٌ.

(قَوْلُهُ: لِخَبَرِ يَا عَبْدَ اللَّهِ) الْخِطَابُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَوْلُهُ مِثْلَ فُلَانٍ أَرَادَ بِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ أَنْ لَا يُخِلَّ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ) أَيْ أَنْ لَا يَتْرُكَهَا (قَوْلُهُ: أَنْ يَنْوِيَ الشَّخْصُ الْقِيَامَ) أَيْ لِلتَّهَجُّدِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ النَّوْمِ) أَيْ حَيْثُ جَوَّزَهُ، فَإِنْ قَطَعَ بِعَدَمِ قِيَامِهِ عَادَةً فَلَا مَعْنَى لِنِيَّتِهِ. (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَنْظُرَ إلَى السَّمَاءِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَعْمَى وَتَحْتَ سَقْفٍ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ إنْ صَحَّ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ الْأَعْمَى وَنَحْوِهِ تَذَكُّرًا لِعَجَائِبِ السَّمَاءِ وَمَا فِيهَا فَيُدْفَعُ بِذَلِكَ الشَّيْطَانُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقْرَأَ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران: ١٩٠] إلَخْ) أَيْ الْوَاقِعَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ.

وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْآخِرِ هَلْ هُوَ السُّورَةُ أَوْ الْآيَةُ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي، ثُمَّ رَأَيْت فِي التِّبْيَانِ لِلنَّوَوِيِّ وَمِثْلَهُ فِي الْأَذْكَارِ لِلنَّوَوِيِّ وَعِبَارَتُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ كُلَّ لَيْلَةٍ آخِرَ آلِ عِمْرَانَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران: ١٩٠] إلَى آخِرِهَا، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ خَوَاتِيمَ آلِ عِمْرَانَ إذَا اسْتَيْقَظَ» . (قَوْلُهُ: وَإِطَالَةُ الْقِيَامِ فِيهَا) أَيْ صَلَاةِ اللَّيْلِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَنَامَ مَنْ نَعَسَ فِي صَلَاتِهِ) وَمِثْلُ الصَّلَاةِ غَيْرُهَا مِنْ الطَّاعَاتِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ، وَقَوْلُهُ نَعَسَ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: بَابُهُ قَتَلَ وَالِاسْمُ النُّعَاسُ.

ــ

[حاشية الرشيدي]

وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ قِيَامٌ مُضِرٌّ وَلَوْ بَعْضَ اللَّيْلِ (قَوْلُهُ: عَدَمُ كَرَاهَةِ إحْيَائِهَا) أَيْ بِالصَّلَاةِ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>