بِنَاءً فِي الْمَأْكُولِ عَلَى أَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ، وَالْقِيَاسُ عَلَى بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ وَفِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ بَيْعُ مَالِ الرِّبَا بِأَصْلِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا، وَيَصِحُّ بَيْعُ لَبَنِ شَاةٍ بِشَاةٍ حُلِبَ لَبَنُهَا وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا لَبَنٌ لَا يُقْصَدُ حَلْبُهُ، فَإِنْ قُصِدَ لِكَثْرَتِهِ أَوْ بَاعَ ذَاتَ لَبَنٍ مَأْكُولَةً بِذَاتِ لَبَنٍ كَذَلِكَ مِنْ جِنْسِهَا لَمْ يَصِحَّ، إذْ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ التَّمْرُ فِي مُقَابَلَتِهِ فِي الْمُصَرَّاةِ، بِخِلَافِ الْآدَمِيَّةِ ذَاتِ اللَّبَنِ فَفِي الْبَيَانِ عَنْ الشَّاشِيِّ الْجَوَازُ فِيهَا، وَفَرَّقَ بِأَنَّ لَبَنَ الشَّاةِ فِي الضَّرْعِ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ وَلِهَذَا امْتَنَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ فَلَهُ حُكْمُ الْمَنْفَعَةِ؛ وَلِهَذَا جَازَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَاعَ لَبَنَ بَقَرَةٍ بِشَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ صَحَّ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، أَمَّا بَيْعُ ذَاتِ لَبَنٍ بِغَيْرِ ذَاتِ لَبَنٍ فَصَحِيحٌ، وَبَيْعُ بَيْضِ دَجَاجَةٍ بِدَجَاجَةٍ كَبَيْعِ لَبَنِ شَاةٍ، فَإِنْ كَانَ فِي الدَّجَاجَةِ بَيْضٌ وَالْبَيْضُ الْمَبِيعُ بَيْضُ دَجَاجَةٍ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَبَيْعُ دَجَاجَةٍ فِيهَا بَيْضٌ بِدَجَاجَةٍ كَذَلِكَ بَاطِلٌ كَبَيْعِ ذَاتِ لَبَنٍ بِمِثْلِهَا.
(بَابٌ) بِالتَّنْوِينِ فِي الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَمَا يَتْبَعُهَا ثُمَّ النَّهْيُ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا مَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَالْحُرْمَةَ؛ لِأَنَّ تَعَاطِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ: أَيْ مَعَ الْعِلْمِ بِفَسَادِهِ أَوْ مَعَ التَّقْصِيرِ فِي تَعَلُّمِهِ لِكَوْنِهِ مِمَّا لَا يَخْفَى، وَهُوَ مُخَالِطٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ يَبْعُدُ جَهْلُهُ بِذَلِكَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ) عَطْفٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ لِلْبِنَاءِ وَالْقِيَاسِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ سَبَبَ) الْأُولَى عَلَى أَنَّ سَبَبَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَقِيَ) غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ مَأْكُولَةٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ) وَمِثْلُهَا الْفَرَسُ ذَاتُ اللَّبَنِ فَتُبَاعُ بِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْعِوَضِ وَإِنْ قُصِدَ فِي نَفْسِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُرَدُّ بَدَلُهُ فِي الْمُصَرَّاةِ صَاعُ تَمْرٍ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَإِنْ نُوزِعُوا فِيهِ اهـ حَجّ. وَعُمُومُ قَوْلِ الشَّارِحِ مَأْكُولَةٌ يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ: فَلَهُ حُكْمُ الْمَنْفَعَةِ) قَدْ يُقَالُ: قِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ دَارٍ بِهَا بِئْرُ مَاءٍ بِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِيهَا تَابِعٌ لَا مَقْصُودُ جَوَازِ بَيْعِ الشَّاةِ الْمَذْكُورَةِ بِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْعَقْدِ كَالْمَاءِ فِي الْبِئْرِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الشَّارِعَ لَمَّا أَوْجَبَ الصَّاعَ فِي مُقَابَلَتِهِ عِنْدَ الرَّدِّ جَعَلَهُ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ كَالشَّاةِ وَلَا كَذَلِكَ الْبِئْرُ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ ذَاتِ لَبَنٍ) أَيْ وَلَوْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَبَيْعُ دَجَاجَةٍ فِيهَا بَيْضٌ) أَيْ بِقَصْدِ أَكْلِهِ مُسْتَقِلًّا كَأَنْ تَصَلَّبَ.
(بَابٌ) فِي الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا.
(قَوْلُهُ: وَمَا يَتْبَعُهَا) مِنْهُ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَالنَّجْشُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ النَّهْيُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِي هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ تَعَاطِيَ الْعَقْدِ) عِلَّةٌ لِلْحُرْمَةِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ فَسَادِ الْعَقْدِ فَلَيْسَ هُوَ مُقْتَضَى النَّهْيِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: النَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ رَجَعَ لِذَاتِ الْعَقْدِ أَوْ لَازِمِهِ أَوْ مَعْنًى خَارِجٍ أَوْ كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرَ عَقْدٍ وَيَقْتَضِي الْفَسَادَ إنْ رَجَعَ لِذَاتِ الْعَقْدِ أَوْ لَازِمِهِ، وَيَحْرُمُ مِنْ حَيْثُ تَعَاطِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ كَمَا أَنَّهُ يَحْرُمُ لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ (قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ التَّقْصِيرِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ مَعَ التَّقْصِيرِ يَأْثَمُ بِتَعَاطِي الْعَقْدِ كَمَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ، فَلَيْسَ الْإِثْمُ بِالتَّقْصِيرِ دُونَ تَعَاطِي الْعَقْدِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ حَجّ بِقَوْلِهِ حَرَامٌ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ: يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ تَعَاطِيَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ مَعَ الْجَهْلِ بِفَسَادِهِ حَرَامٌ حَيْثُ قَصَّرَ فِي التَّعَلُّمِ فَلَيْسَتْ الْحُرْمَةُ مَخْصُوصَةً بِالتَّقْصِيرِ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَبْعُدُ جَهْلُهُ بِذَلِكَ)
[حاشية الرشيدي]
[بَاب الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَمَا يَتْبَعُهَا]
(بَابٌ) فِي الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute