للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ كَاذِبًا لِأَنَّهُ يُضِيءُ ثُمَّ يَسْوَدُّ وَيَذْهَبُ.

وَالثَّانِي صَادِقًا لِأَنَّهُ يُصَدِّقُ عَنْ الصُّبْحِ وَيُبَيِّنُهُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ إطْلَاقُ الْكَذِبِ عَلَى مَا لَا يَعْقِلُ وَهُوَ «صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيك» لِمَا أَوْهَمَهُ مِنْ عَدَمِ حُصُولِ الشِّفَاءِ بِشُرْبِ الْعَسَلِ.

وَذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ لِلْعِشَاءِ أَرْبَعَةَ أَوْقَاتٍ: الْوَقْتَانِ الْمَذْكُورَانِ، وَوَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَوَقْتُ عُذْرٍ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ لِمَنْ يَجْمَعُ (وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ) لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ (وَفِي قَوْلٍ عَنْ نِصْفِهِ) لِخَبَرِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت صَلَاةَ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ» وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَكَلَامُهُ فِي الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ: قَالَ السُّبْكِيُّ: فَلَا أَدْرِي تَصْحِيحَهُ عَنْ عَمْدٍ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا فِي كُتُبِهِ أَمْ لَا وَهُوَ الْأَقْرَبُ.

(وَالصُّبْحُ) بِضَمِّ الصَّادِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا لُغَةً أَوَّلُ النَّهَارِ، وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ) لِخَبَرِ جِبْرِيلَ فَإِنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ وَإِنَّمَا يَحْرُمَانِ بِالصَّادِقِ (وَهُوَ الْمُنْتَشِرُ ضَوْءُهُ مُعْتَرِضًا بِالْأُفُقِ) كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَيَّدَ هُنَا بِالصَّادِقِ وَأَطْلَقَ فِي خُرُوجِ وَقْتِ الْعِشَاءِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْحُكْمَ دَائِرٌ عَلَى الصَّادِقِ الْآتِي فِي كَلَامِهِ (وَيَبْقَى) وَقْتُهَا (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) لِلْخَبَرِ وَهُوَ (وَقْتُ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ) أَيْ بَعْضُهَا كَمَا مَرَّ (وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ الْإِسْفَارِ) أَيْ الْإِضَاءَةِ لِخَبَرِ جِبْرِيلَ الْمَارِّ.

وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَوْقَاتِ فَضِيلَةٍ، وَهِيَ: أَوَّلُهُ ثُمَّ اخْتِيَارٌ إلَى الْإِسْفَارِ، ثُمَّ جَوَازٌ بِلَا كَرَاهَةٍ إلَى الْحُمْرَةِ قَبْلَ طُلُوعِهَا، ثُمَّ جَوَازٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهَا الْوُسْطَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: ٢٣٨] الْآيَةَ إذْ لَا قُنُوتَ إلَّا فِيهَا، وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «قَالَتْ عَائِشَةُ لِمَنْ يَكْتُبُ لَهَا مُصْحَفًا: اُكْتُبْ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ قَالَتْ: سَمِعْتهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إذْ الْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ فِي الْحَاوِي: صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ أَنَّهَا الْعَصْرُ كَخَبَرِ «شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ» وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ فَصَارَ هَذَا مَذْهَبَهُ، وَلَا يُقَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ كَمَا وَهِمَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: نَعَمْ الْأَصَحُّ أَنَّهَا الْعَصْرُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي تَسْمِيَةِ الصُّبْحِ غَدَاةً كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ.

نَعَمْ الْأَوْلَى عَدَمُ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَالْجَمْعُ سَرَاحِينُ، وَيُقَالُ لِلْفَجْرِ الْكَاذِبِ عَلَى التَّشْبِيهِ اهـ (قَوْلُهُ: يُصَدِّقُ عَنْ الصُّبْحِ) أَيْ يَكْشِفُ (قَوْلُهُ: وَيُبَيِّنُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: أَرْبَعَةَ أَوْقَاتٍ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى وَقْتَيْ الضَّرُورَةِ وَالْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ: الْوَقْتَانِ الْمَذْكُورَانِ) أَيْ وَهُمَا قَوْلُهُ: فِيمَا مَضَى فِي أَوْقَاتِ الظُّهْرِ، وَلَهَا أَيْضًا وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَسَيَأْتِي، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي لَا يَسَعُهَا وَإِنْ وَقَعَتْ أَدَاءً لَكِنَّهُمَا يَجْرِيَانِ فِي غَيْرِ الظُّهْرِ، وَقَوْلُهُ وَوَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَوَقْتُ عُذْرٍ إلَخْ عَطْفٌ عَلَى الْوَقْتَانِ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ) أَيْ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ.

(قَوْلُهُ: عَنْ الْإِسْفَارِ) يُقَالُ سَفَّرَ الصُّبْحُ وَأَسْفَرَ، وَيَجِبُ حَمْلُ عَنْ الْإِسْفَارِ عَلَى اسْتِعْمَالِ عَنْ بِمَعْنَى إلَى لِتُوَافِقَ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، أَوْ يُرَادُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الْإِسْفَارِ فَإِنَّهَا إذَا وَقَعَتْ فِيهِ صُدِّقَ أَنَّهَا أُخِّرَتْ عَنْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ، لَكِنَّ هَذَا الْأَخِيرَ يَقْتَضِي أَنَّ مُقَارَنَةَ آخِرِهَا لِلْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الِاخْتِيَارِ، فَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بَلْ مُتَعَيَّنٌ اهـ عَمِيرَةُ؟ (قَوْلُهُ: ثُمَّ) اخْتِيَارُ التَّعْبِيرِ بِثُمَّ يُفِيدُ أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لَا يُشَارِكُ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ، وَقَوْلُ الْمَنْهَجِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَالِاخْتِيَارِ مِنْ ذَلِكَ: أَيْ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَخْ، وَتَعْبِيرُهُ بِمِثْلِهِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ يَقْتَضِي أَنَّ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاخْتِيَارِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ اخْتِيَارٌ لَا غَيْرُ، وَمِثْلُ مَا فِي

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: الْمَذْكُورَانِ) أَيْ فِي الْمَتْنِ قَبْلُ وَبَعْدُ، فَقَوْلُهُ، وَيَبْقَى إلَى الْفَجْرِ الصَّادِقِ هُوَ وَقْتُ الْجَوَازِ، وَالْآتِي وَقْتُ الِاخْتِيَارِ

[وَقْتُ الصُّبْح]

(قَوْلُهُ: ثُمَّ اخْتِيَارُ) أَيْ: فَقَطْ وَإِلَّا، فَهُوَ يُشَارِكُ الْفَضِيلَةَ فِي وَقْتِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>