كِتَابُ الْوَصَايَا أَخَّرَهَا عَنْ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا وَرَدَّهَا وَمَعْرِفَةَ قَدْرِ ثُلُثِ الْمَالِ وَمَنْ يَكُونُ وَارِثًا مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمَوْتِ فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَنْسَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُوصِي ثُمَّ يَمُوتُ ثُمَّ تُقَسَّمُ تَرِكَتُهُ، وَهِيَ جَمْعُ وَصِيَّةٍ كَهَدِيَّةٍ وَهَدَايَا وَقَوْلُ الشَّارِحِ بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ أَرَادَ بِهِ شُمُولَ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ مَعْقُودَةٌ لَهُمَا، وَالْإِيصَاءُ يَعُمُّ الْوَصِيَّةَ وَالْوِصَايَةَ لُغَةً، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، وَهِيَ تَخْصِيصُ الْوَصِيَّةِ بِالتَّبَرُّعِ الْمُضَافِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوِصَايَةُ بِالْعَهْدِ إلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ. وَالْوَصِيَّةُ لُغَةً: الْإِيصَالُ مِنْ وَصَّى الشَّيْءَ بِكَذَا وَصَلَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ وَصَلَ خَيْرَ دُنْيَاهُ بِخَيْرِ عُقْبَاهُ. وَشَرْعًا: لَا بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ تَبَرُّعٌ بِحَقٍّ مُضَافٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِتَدْبِيرٍ وَلَا تَعْلِيقِ عِتْقٍ، وَإِنْ اُلْتُحِقَا بِهَا حُكْمًا، كَالتَّبَرُّعِ الْمُنْجَزِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ الْمُلْحَقِ بِهِ.
وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ بِصِحَّةٍ أَفْضَلَ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُغْفَلَ عَنْهَا سَاعَةً كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ إلَى الصَّحِيحِ «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كِتَابُ الْوَصَايَا (قَوْلُهُ: مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمَوْتِ) قَدْ يُقَالُ مُجَرَّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْمَوْتِ لَا يَسْتَدْعِي تَأْخِيرَهَا عَنْ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَصِيَّةِ وَقِسْمَةَ الْمَوَارِيثِ إنَّمَا هِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَكَانَ الْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يَقُولَ أَخَّرَهَا عَنْ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ ثَابِتَةٌ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لَا تَصَرُّفَ لِلْمَيِّتِ فِيهَا، وَهَذِهِ عَارِضَةٌ قَدْ تُوجَدُ وَقَدْ لَا، وَفِي حَجّ: وَيُرَدُّ أَيْ الْقَوْلُ بِأَنَّ تَقْدِيمَهَا أَنْسَبُ بِأَنَّ عِلْمَ قِسْمَةِ الْوَصَايَا وَدَوْرِيَّاتِهَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ عِلْمِ الْفَرَائِضِ وَتَابِعٌ لَهُ، فَتَعَيَّنَ تَقْدِيمُ الْفَرَائِضِ كَمَا دَرَجَ عَلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ اكْتَفَى بِمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ كَافٍ فِي رَدِّ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُوصِي ثُمَّ يَمُوتُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا فِي تَأْخِيرِهِ عَنْ الْفَرَائِضِ.
[فَائِدَةٌ] قَالَ الدَّمِيرِيِّ: رَأَيْت بِخَطِّ ابْنِ الصَّلَاحِ أَبِي عَمْرٍو أَنَّ مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ لَا يَتَكَلَّمُ فِي مُدَّةِ الْبَرْزَخِ، وَأَنَّ الْأَمْوَاتَ يَتَزَاوَرُونَ سِوَاهُ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا بَالُ هَذَا؟ فَيُقَالُ مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ. انْتَهَى مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الشَّنَوَانِيِّ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَاجِبَةٍ أَوْ خَرَجَ مَخْرَجَ الزَّجْرِ. اهـ هَكَذَا بِهَامِشِ صَحِيحٍ.
وَسَيَأْتِي أَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ حَيْثُ قَامَ بِهِ مَا يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ، وَعَلَيْهِ فَمَنْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ بِمَرَضٍ خَفِيفٍ لَا يُخْشَى مِنْهُ هَلَاكٌ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: أَرَادَ بِهِ شُمُولَ ذَلِكَ) أَيْ الْوَصِيَّةِ الَّتِي هِيَ مُفْرَدُ الْوَصَايَا (قَوْلُهُ: لَهُ) أَيْ لِلْإِيصَاءِ بِمَعْنَى الْعَهْدِ عَلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى أَوْلَادِهِ بَعْدَهُ وَلَيْسَتْ مَقْصُورَةً عَلَى التَّبَرُّعِ الْمُضَافِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ. (قَوْلُهُ: وَصَلَ خَيْرَ دُنْيَاهُ بِخَيْرِ عُقْبَاهُ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِخَيْرِ دُنْيَاهُ الْخَيْرُ الَّذِي حَصَلَ لَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ بِأَعْمَالِ الطَّاعَةِ، وَبِخَيْرِ عُقْبَاهُ الْخَيْرُ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَبَبِ حُصُولِ الْمُوصَى بِهِ لِلْمُوصَى لَهُ، فَهُوَ بِإِيصَائِهِ حَصَلَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ خَيْرٌ وَقَدْ صَدَرَ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ خَيْرٌ فَقَدْ وَصَلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ تَأَمَّلْ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَصَلَ خَيْرَ دُنْيَاهُ: أَيْ نَفْعَهُ فِي دُنْيَاهُ بِالْمَالِ بِخَيْرِ عُقْبَاهُ: أَيْ انْتِفَاعِهِ بِالثَّوَابِ الْحَاصِلِ بِالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ فَلْيُرَاجَعْ وَلْيُحَرَّرْ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَقْدِيرًا) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ لِفُلَانٍ بَعْدَ مَوْتِي كَذَا (قَوْلُهُ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» )
[حاشية الرشيدي]
[كِتَابُ الْوَصَايَا وَالْوَدِيعَة]
كِتَابُ الْوَصَايَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute