للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفِطْرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَغَيْبَةِ مَالِهِ أَوْ مُسْتَحِقِّيهَا لِأَنَّ الْقَصْدَ إغْنَاؤُهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِيهِ لِكَوْنِهِ يَوْمَ سُرُورٍ، فَمَنْ أَخَّرَهَا عَنْهُ أَثِمَ وَقَضَى وُجُوبًا فَوْرًا إنْ أَخَّرَهَا بِلَا عُذْرٍ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ كَالْأَذْرَعِيِّ حَيْثُ اعْتَمَدَا وُجُوبَ الْفَوْرِيَّةِ مُطْلَقًا نَظَرًا إلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَفَارَقَتْ زَكَاةَ الْمَالِ فَإِنَّهَا وَإِنْ أُخِّرَتْ عَنْ التَّمَكُّنِ تَكُونُ أَدَاءً كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ بِأَنَّ هَذِهِ مُؤَقَّتَةٌ بِزَمَنٍ مَحْدُودٍ كَالصَّلَاةِ.

(وَلَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ) أَصْلِيٍّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ إجْمَاعٌ لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَالْمُرَادُ بِهِ عَدَمُ مُطَالَبَتِهِ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَإِلَّا فَهُوَ مُعَاقَبٌ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ، أَمَّا فِطْرَةُ الْمُرْتَدِّ وَمَنْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ فَمَوْقُوفَةٌ عَلَى عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُرْتَدُّ (إلَّا فِي عَبْدِهِ) أَيْ رَقِيقِهِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ مُسْتَوْلِدَةٌ (أَوْ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ) فَتَجِبُ عَلَيْهِ عَنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) كَنَفَقَتِهِمَا، وَهَكَذَا كُلُّ مُسْلِمٍ يَلْزَمُ الْكَافِرَ مُؤْنَتُهُ كَزَوْجَتِهِ الذِّمِّيَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ وَأَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا مُدَّةَ التَّخَلُّفِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ. وَالثَّانِي لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا الْمُؤَدِّي أَوْ عَلَى الْمُخْرِجِ ابْتِدَاءً، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ عَدَمُ صِحَّةِ تَوَجُّهِهِ الْخِطَابَ لَهُ إذْ ذَاكَ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ هُنَا، وَوُجُوبُهَا بِطَرِيقِ الْحَوَالَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لَا بِطَرِيقِ الضَّمَانِ وَإِنْ جَرَى عَلَى الثَّانِي جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّهُ لَوْ أَدَّاهَا الْمُتَحَمَّلُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُتَحَمِّلِ أَجْزَأَهُ وَسَقَطَتْ عَنْ الْمُتَحَمِّلِ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الْحُرَّةَ الْمُوسِرَةَ لَوْ أَعْسَرَ زَوْجُهَا لَمْ يَلْزَمْهَا فِطْرَتُهَا، وَلَوْ كَانَ كَالضَّمَانِ لَزِمَتْهَا عِنْدَ تَحَمُّلِ الزَّوْجِ وَعَدَمِهِ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

هَذِهِ ثُمَّ تَلِفَ الْمَالُ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ لِمَا يَأْتِي، ثُمَّ إنَّ التَّأْخِيرَ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) وَلَيْسَ مِنْ الْعُذْرِ هُنَا انْتِظَارُ الْأَحْوَجِ.

(قَوْلُهُ: كَغَيْبَةِ مَالِهِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ لِمَرْحَلَتَيْنِ أَوْ دُونَهُمَا، وَعِبَارَةُ حَجّ: تَنْبِيهُ ظَاهِرِ قَوْلِهِ هُنَا كَغَيْبَةِ مَالٍ أَنَّ غَيْبَتَهُ مُطْلَقًا لَا تَمْنَعُ وُجُوبَهَا وَفِيهِ نَظَرٌ كَإِفْتَاءِ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا تَمْنَعُهُ مُطْلَقًا أَخْذًا مِمَّا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذَا عَجَزَ عَنْهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ إذْ ادِّعَاءُ أَنَّ الْغَيْبَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَجْزِ هُوَ مَحِلُّ النِّزَاعِ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يَجْتَمِعُ بِهِ أَطْرَافُ كَلَامِهِمْ، وَهُوَ أَنَّ الْغَيْبَةَ إنْ كَانَتْ لِدُونِ مَرْحَلَتَيْنِ لَزِمَتْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْحَاضِرِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِرَاضُ بَلْ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى حُضُورِ الْمَالِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ كَغَيْبَةِ مَالِهِ أَوْ لِمَرْحَلَتَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا بِمَا رَجَّحَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ يُمْنَعُ أَخْذُ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ كَانَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ كَالْمُعْدِمِ فَيَأْخُذُهَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْفِطْرَةُ لِأَنَّهُ وَقْتَ وُجُوبِهَا فَقِيرٌ مُعْدِمٌ وَلَا نَظَرَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاقْتِرَاضِ لِمَشَقَّتِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَقَضِيَّةُ اقْتِصَارِ الشَّارِحِ عَلَى كَوْنِ الْغَيْبَةِ عُذْرًا فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُ الْوُجُوبُ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا اُغْتُفِرَ لَهُ جَوَازُ التَّأْخِيرِ لِعُذْرِهِ بِالْغَيْبَةِ.

(قَوْلُهُ: اعْتَمَدَا وُجُوبَ الْفَوْرِيَّةِ مُطْلَقًا) أَيْ أَخَّرَ لِعُذْرٍ أَمْ لَا. .

(قَوْلُهُ: وَلَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ) أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَأَخْرَجَهَا حِينَئِذٍ هَلْ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ وَكَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ صِحَّةِ إخْرَاجِهِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَنَقَلَ بِالدَّرْسِ عَنْ حَجّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِي وَفِيهِ وَقْفَةٌ.

(قَوْلُهُ: أُصَلِّي) أَيْ فَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ أَرَادَ إخْرَاجَهَا عَمَّا مَضَى لَهُ فِي الْكُفْرِ فَقِيَاسُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ قَضَائِهِ لِمَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ الْكُفْرِ عَدَمُ صِحَّةِ أَدَائِهِ هُنَا فَلَا يَقَعُ مَا أَدَّاهُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، وَقَدْ يُقَالُ يَقَعُ تَطَوُّعًا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ لَا فَرْضِهَا وَلَا نَفْلِهَا، فَلَمْ يَصِحَّ مَا فَعَلَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَمَّا فَاتَهُ فِي زَمَنِ الْكُفْرِ، بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا فِي زَمَنِ الْكُفْرِ فِي الْجُمْلَةِ إذْ يُعْتَدُّ بِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ مِنْهُ، فَإِذَا أَدَّى الزَّكَاةَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا وَهُوَ وُقُوعُهَا فَرْضًا وَوَقَعَتْ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ فِي الْجُمْلَةِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ) أَيْ وَيُجْزِئُهُ الْإِخْرَاجُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا يَأْتِي أَوَّلَ الْبَابِ الْآتِي.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُرْتَدُّ) بَقِيَ مَا لَوْ ارْتَدَّ الْأَصْلُ أَوْ الْفَرْعُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا قِيلَ فِي الْعَبْدِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَرَى عَلَى الثَّانِي) إلَخْ هُوَ قَوْلُهُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[تَأْخِيرَ زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى مَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ]

قَوْلُهُ لِمَا يَأْتِي بِأَنَّ الْحُرَّةَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِكَوْنِهَا كَالْحَوَالَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>