للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ الدَّعْوَى جَمْعُهَا دَعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَهِيَ لُغَةً: الطَّلَبُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس: ٥٧] وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ وَشَرْعًا: إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبِ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ، وَالْبَيِّنَةُ الشُّهُودُ، سُمُّوا بِهَا لِأَنَّ بِهِمْ يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ كَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَفِي الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَوَهَمَ فِي الْكِفَايَةِ فَعَزَا هَذِهِ لِمُسْلِمٍ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ جَانِبَ الْمُدَّعِي ضَعِيفٌ فَدَعْوَاهُ خِلَافُ الْأَصْلِ فَكُلِّفَ الْحُجَّةَ الْقَوِيَّةَ وَجَانِبُ الْمُنْكِرِ قَوِيٌّ فَاكْتُفِيَ مِنْهُ بِالْحُجَّةِ الضَّعِيفَةِ. .

وَلَمَّا كَانَ مَدَارُ الْخُصُومَةِ عَلَى خَمْسَةٍ: الدَّعْوَى وَالْجَوَابُ وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَالْبَيِّنَةُ ذَكَرَهَا كَذَلِكَ فَقَالَ (تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ) أَوْ مُحَكَّمٍ أَوْ سَيِّدٍ (فِي عُقُوبَةٍ) لِآدَمِيٍّ (كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ) فَلَا يَسْتَقِلُّ مُسْتَحَقُّهَا بِاسْتِيفَائِهَا لِعِظَمِ خَطَرِهَا كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، نَعَمْ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: مَنْ وَجَبَ لَهُ تَعْزِيرٌ أَوْ حَدُّ قَذْفٍ وَكَانَ فِي بَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ السُّلْطَانِ فَلَهُ اسْتِيفَاؤُهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَوَاخِرِ قَوَاعِدِهِ: لَوْ انْفَرَدَ بِحَيْثُ لَا يُرَى يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْ الْقَوَدِ وَلَا سِيَّمَا إذَا عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ. .

أَمَّا عُقُوبَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ وَإِنْ تَوَقَّفَتْ عَلَى الْقَاضِي أَيْضًا لَكِنْ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى فِيهَا لِانْتِفَاءِ حَقِّ الْمُدَّعِي فِيهَا، نَعَمْ لِقَاذِفٍ أُرِيدَ حَدُّهُ الدَّعْوَى عَلَى الْمَقْذُوفِ وَطَلَبُ حَلِفِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ يَسْقُطُ عَنْهَا الْحَدُّ إنْ نَكَلَ.

وَمَا يُوجِبُ تَعْزِيرًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى تُسْمَعُ فِيهِ الدَّعْوَى إنْ تَعَلَّقَ بِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ كَطَرْحِ حِجَارَةٍ بِطَرِيقٍ وَمَرَّ أَنَّهُ يَجِبُ الْأَدَاءُ عِنْدَ نَحْوِ أَمِيرٍ تَوَقَّفَ وُصُولُ الْحَقِّ إلَى رَبِّهِ عَلَيْهِ وَقَضِيَّتُهُ صِحَّةُ الدَّعْوَى عِنْدَهُ أَيْ إنْ تَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

[كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ]

(قَوْلُهُ: وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) أَيْ يَطْلُبُونَ (قَوْلُهُ: وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ) أَيْ لِأَنَّهَا بِوَزْنِ فَعْلَى (قَوْلُهُ: إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبِ حَقٍّ إلَخْ) لَمْ يُقَيَّدْ الْحَقُّ بِكَوْنِهِ لَهُ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ بِمَالِ مُوَلِّيهِ أَوْ الْوَكِيلُ لِمُوَكِّلِهِ أَوْ النَّاظِرُ لِلْوَقْفِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ حَاكِمٍ) أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ الْمُحَكَّمُ وَالسَّيِّدُ كَمَا يَأْتِي وَمَا يَلْحَقُ بِهِمَا كَذِي الشَّوْكَةِ إذَا تَصَدَّى لِفَصْلِ الْأُمُورِ بَيْنَ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ أَيْضًا وَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَمَرَّ أَنَّهُ يَجِبُ الْأَدَاءُ عِنْدَ نَحْوِ أَمِيرٍ إلَخْ

(قَوْلُهُ: فَلَا يَسْتَقِلُّ مُسْتَحِقُّهَا) أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَاسْتَقَلَّ وَقَعَتْ الْمَوْقِعَ وَإِنْ أَثِمَ بِاسْتِقْلَالِهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ الْمَوْقِعَ إلَخْ (قَوْلُهُ: بَعِيدَةٍ عَنْ السُّلْطَانِ) أَيْ أَوْ قَرِيبَةٍ مِنْهُ وَخَافَ مِنْ الرَّفْعِ إلَيْهِ عَدَمَ التَّمَكُّنِ مِنْ إثْبَاتِ حَقِّهِ أَوْ غُرْمَ دَرَاهِمَ فَلَهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ حَيْثُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ مَنْ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ وَأَمِنَ الْفِتْنَةَ (قَوْلُهُ: فَلَهُ اسْتِيفَاؤُهُ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا بَلَغَ الْإِمَامَ ذَلِكَ فَلَهُ تَعْزِيرُهُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْ الْقَوَدِ) أَيْ شَرْعًا فَيَجُوزُ ذَلِكَ لَهُ بَاطِنًا

(قَوْلُهُ: تَوَقَّفَ وُصُولُ الْحَقِّ إلَى رَبِّهِ) أَيْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ (قَوْلُهُ: عَنْ وُجُوبِ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ لَهُ لِتَخْرُجَ الشَّهَادَةُ (قَوْلُهُ عِنْدَ حَاكِمٍ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَعَبَّرَ عَنْ هَذَا فِي التُّحْفَةِ بِقَوْلِهِ لِيَلْزَمَهُ بِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مَا ذَكَرْته أَوْلَى لِإِدْخَالِهِ جَمِيعَ شُرُوطِ الدَّعْوَى

(قَوْلُهُ: كَمَا فِي النِّكَاحِ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ هَذِهِ يُشْتَرَطُ فِيهَا الدَّعْوَى عِنْدَ مَنْ ذُكِرَ، وَضَابِطُ مَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى عِنْدَ مَنْ ذُكِرَ كُلُّ مَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ وَلَيْسَ بِمَالٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ

(قَوْلُهُ: لَكِنْ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى فِيهَا إلَخْ) فَالطَّرِيقُ فِي إثْبَاتِهَا شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ

(قَوْلُهُ: إنْ تَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ حَتَّى يَتَأَتَّى التَّنْظِيرُ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>