وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْجُنُونَ الطَّارِئَ عَلَى الرِّدَّةِ يَجِبُ مَعَهُ قَضَاءُ أَيَّامِ الْجُنُونِ الْوَاقِعَةِ فِي رِدَّتِهِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَنْ كُسِرَ رِجْلَيْهِ تَعَدَّيَا وَصَلَّى قَاعِدًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِانْتِهَاءِ مَعْصِيَتِهِ بِانْتِهَاءِ كَسْرِهِ وَلِإِتْيَانِهِ بِالْبَدَلِ حَالَةَ الْعَجْزِ، قَالَ فِي الْخَادِمِ: كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا أَسْلَمَ أَبُوهُ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لَهُ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ حِينِ أَسْلَمَ أَبُوهُ إذْ الْمُسْلِمُ لَا يُغَلَّظُ عَلَيْهِ انْتَهَى، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَنَحْوِهِمَا الْقَضَاءُ (بِخِلَافِ) ذِي (السُّكْرِ) أَوْ الْجُنُونِ أَوْ الْإِغْمَاءِ الْمُتَعَدَّى بِهِ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بَعْدَ إفَاقَتِهِ، فَإِنْ جَهِلَ كَوْنَهُ مُحَرَّمًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَوْ أَكَلَهُ لِيَقْطَعَ غَيْرُهُ بَعْدَ زَوَالِ عَقْلِهِ يَدًا لَهُ مَثَلًا مُتَأَكِّلَةً لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ لِعُذْرِهِ، أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ جِنْسَهُ يُزِيلُ الْعَقْلَ وَظَنَّ أَنَّ مَا تَنَاوَلَهُ مِنْهُ لَا يُزِيلُهُ لِقِلَّتِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِتَقْصِيرِهِ، وَلَوْ طَرَأَ الْجُنُونُ عَلَى السُّكْرِ الْمُتَعَدَّى بِهِ وَجَبَ قَضَاءُ الْمُدَّةِ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا السُّكْرُ غَالِبًا.
ثُمَّ انْتَقَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى بَيَانِ وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ وَقْتُ زَوَالِ مَوَانِعِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الصِّبَا وَالْكُفْرُ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فَقَالَ (وَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ) أَيْ الْمَوَانِعُ (وَ) قَدْ (بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ) أَيْ قَدْرُ زَمَنِهَا فَأَكْثَرَ (وَجَبَتْ الصَّلَاةُ) أَيْ صَلَاةُ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِخَبَرِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً» السَّابِقَ بِجَامِعِ إدْرَاكِ مَا يَسَعُ رُكْنًا وَقِيَاسًا عَلَى اقْتِدَاءِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُعَارِضُهُ قَوْلُهُمْ فِي زَوَالِ الْعَقْلِ إذَا أَخْبَرَ الْأَطِبَّاءُ بِعَوْدِهِ انْتَظَرَ.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ظُهُورِ عَلَامَاتٍ لَهُمْ يَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى إمْكَانِ الْعَوْدِ جِوَازُ دُخُولِ جُنُونٍ عَلَى جُنُونٍ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَصَلَ بِهِ زَوَالُ الْعَقْلِ، وَحَيْثُ زَالَ فَلَا يُمْكِنُ تَكَرُّرُهُ مَا دَامَ الْجُنُونُ قَائِمًا لِأَنَّ الْعَقْلَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلَا يُمْكِنُ تَكَرُّرُ زَوَالِهِ (قَوْلُهُ: يَجِبُ مَعَهُ قَضَاءُ أَيَّامِ الْجُنُونِ) وَمَحَلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَحْكُمْ بِإِسْلَامِهِ زَمَنَ جُنُونِهِ، فَإِنْ حَكَمَ بِهِ كَأَنْ أَسْلَمَ أَحَدُ أُصُولِهِ فَلَا قَضَاءَ لِمَا فَاتَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَيَسْتَثْنِي إلَخْ (قَوْلُهُ: كَذَا أَطْلَقُوهُ) أَيْ حَيْثُ قَالُوا مَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَ فِي زَمَنِ الْجُنُونِ، فَإِنْ قَضِيَّتَهُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَوْ جُنَّ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ، لَكِنَّ تَعْبِيرَ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: أَيَّامِ الْجُنُونِ الْوَاقِعَ فِي رِدَّتِهِ يُخْرِجُ مَا ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ لَا يَصِيرُ مُرْتَدًّا، فَلَعَلَّ تَعْبِيرَ الْأَصْحَابِ الَّذِي اسْتَثْنَى مِنْهُ الزَّرْكَشِيُّ لَمْ يَقَعْ فِيهِ التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْجُنُونِ الْوَاقِعِ فِي زَمَنِ الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِمَا) وَهُوَ السَّكْرَانُ بِلَا تَعَدٍّ، وَالصَّبِيُّ لَكِنْ: بِالنِّسْبَةِ لِمَا أَمَرَ بِهِ وَهُوَ مَا فَاتَهُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ وَاسْتِكْمَالِ السَّبْعِ، أَمَّا مَا فَاتَهُ قَبْلَ تَمَيُّزِهِ فَلَا يَنْعَقِدُ مِنْهُ لَوْ قَضَاهُ (قَوْلُهُ: أَوْ أَكَلَهُ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَطْعَمَهُ غَيْرُهُ لِذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَا تَعَدِّيَ مِنْهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا أَكَلَهُ وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْفَاعِلَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِلْأَكْلِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي بَدَنِ غَيْرِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الْأَوَّلُ لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ كَانَ عَالِمًا بِأَسْبَابِ الْمَصْلَحَةِ أَوْ أَخْبَرَهُ بِهَا ثِقَةٌ (قَوْلُهُ: يُزِيلُ الْعَقْلَ وَظَنَّ) وَظَاهِرُهُ وَإِنْ اسْتَنَدَ ظَنُّهُ لِخَبَرِ عَدْلٍ أَوْ عُدُولٍ وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا السُّكْرُ غَالِبًا) أَيْ حَقِيقَةً، أَمَّا الْمُدَّةُ الْمَشْكُوكُ فِيهَا فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا حَجّ بِالْمَعْنَى
(قَوْلُهُ: وَالْكُفْرُ) أَيْ الْأَصْلِيُّ (قَوْلُهُ: وَالْإِغْمَاءِ) أَيْ وَالسُّكْرُ بِلَا تَعَدٍّ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمَوَانِعُ) بَيَّنَ بِهِ أَنَّ فِي التَّعْبِيرِ بِالْأَسْبَابِ تَجَوُّزًا، وَلَعَلَّ عَلَاقَةَ الْمَجَازِ الضِّدِّيَّةُ فَإِنَّ الْمَانِعَ مُضَادٌّ لِلسَّبَبِ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ مَنْ أَدْرَكَ) قَدْ يُنَاقَشُ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْخَبَرُ فِي إدْرَاكِ الْوُجُوبِ نَافَى قَوْلَهُ الْآتِي لِأَنَّ مَفْهُومَهُ إلَخْ، أَوْ فِي إدْرَاكِ الْأَدَاءِ لَمْ يَنْهَضْ الِاسْتِدْلَال وَلَا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ.
[حاشية الرشيدي]
مُدَّةَ مَا تَعَدَّى بِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: كَذَا أَطْلَقُوهُ) الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ لَيْسَ فِيهِ إطْلَاقٌ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ الْوَاقِعَةُ فِي رِدَّتِهِ، فَهُوَ مُخْرِجٌ لِهَذِهِ الصُّورَةِ، فَكَلَامُ الْخَادِمِ إنَّمَا يَتَنَزَّلُ عَلَى عِبَارَةِ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ، وَإِتْيَانُ الشَّارِحِ بِلَفْظِ كَذَا فِي قَوْلِهِ كَذَا أَطْلَقُوهُ بَعْدَ إيرَادِهِ الْحُكْمَ مُقَيَّدًا فِيهِ مَا لَا يَخْفَى
[وَقْتُ زَوَالِ مَوَانِعِ وُجُوبِ الصَّلَاة]
(قَوْلُهُ: قَدْرُ) الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي خِلَالِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: أَيْ صَلَاةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَخْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute