للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ حَرَامٌ، بَلْ كَبِيرَةٌ لِأَنَّ فِيهِ إقْدَامًا عَلَى إحَالَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَتَبْدِيلِهِ وَهَذَا أَخْطُرُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْكَبَائِرِ، إذْ قَضِيَّتُهُ الْكُفْرُ لَوْلَا خُلُوُّ الِاعْتِقَادِ عَنْ ذَلِكَ وَاحْتِمَالُ التَّشْبِيهِ لِذَلِكَ وَغَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى {مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: ٢] فِي الْآيَةِ أَوَّلَ الْمُجَادَلَةِ النَّازِلَةِ فِي «أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ لَمَّا ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ فَاشْتَكَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا حُرِّمْت عَلَيْهِ وَكَرَّرَهُ» . وَأَرْكَانُهُ مُظَاهِرٌ وَمُظَاهَرٌ مِنْهَا وَمُشَبَّهٌ بِهِ وَصِيغَةٌ (وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ) مُخْتَارٍ دُونَ أَجْنَبِيٍّ وَإِنْ نَكَحَ بَعْدُ وَسَيِّدٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ لِمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، نَعَمْ لَوْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ وَهُوَ مَجْنُونٌ مَثَلًا حَصَلَ (وَلَوْ) هُوَ (ذِمِّيٍّ) وَحَرْبِيٍّ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَكَوْنُهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ مَمْنُوعٌ بِإِطْلَاقِهِ إذْ فِيهَا شَائِبَةُ الْغَرَامَاتِ وَيُتَصَوَّرُ عِتْقُهُ بِنَحْوِ إرْثٍ لِمُسْلِمٍ (أَوْ خَصِيٍّ) وَنَحْوِ مَمْسُوحٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ إيلَاؤُهُ كَمِنْ الرَّتْقَاءِ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مَقْصُودٌ ثَمَّ لَا هُنَا وَعَبْدٍ وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ الْعِتْقُ لِإِمْكَانِ تَكْفِيرِهِ بِالصَّوْمِ.

(وَظِهَارُ سَكْرَانَ) تَعَدَّى بِسُكْرِهِ (كَطَلَاقِهِ) فَيَصِحُّ مِنْهُ وَإِنْ صَارَ كَالزِّقِّ.

[صَرِيحُ الظِّهَارِ]

(وَصَرِيحُهُ) أَيْ الظِّهَارِ (أَنْ يَقُولَ) أَوْ يُشِيرَ الْأَخْرَسُ الَّذِي يَفْهَمُ إشَارَتَهُ كُلُّ أَحَدٍ (لِزَوْجَتِهِ) وَلَوْ رَجْعِيَّةً قِنَّةً غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا (أَنْتِ عَلَيَّ أَوْ مِنِّي أَوْ) لِي أَوْ إلَيَّ أَوْ (مَعِي أَوْ عِنْدِي كَظَهْرِ أُمِّي) لِأَنَّ عَلَيَّ وَأُلْحِقَ بِهَا مَا ذَكَرَ الْمَعْهُودُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (وَكَذَا أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّهِ صَرِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ) كَمَا أَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ صَرِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنِّي لِتُبَادِرْهُ بِالذِّهْنِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنْتِ عَلَى غَيْرِي كَظَهْرِ أُمِّهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ غَيْرِي لَمْ يُقْبَلْ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَجَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ قَبُولَ هَذِهِ الْإِرَادَةِ بَاطِنًا (وَقَوْلُهُ) لَهَا (جِسْمُك أَوْ بَدَنُك) وَجُمْلَتُك (أَوْ نَفْسُك) أَوْ ذَاتُك (كَبَدَنِ أُمِّي أَوْ جِسْمِهَا أَوْ جُمْلَتِهَا) أَوْ ذَاتِهَا (صَرِيحٌ) لِتَضَمُّنِهِ لِلظَّهْرِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الصِّلَةَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالصِّلَةِ لَيْسَ بِظِهَارٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ.

(وَالْأَظْهَرُ) الْجَدِيدُ (أَنَّ) (قَوْلَهُ) لَهَا أَنْتِ (كَيَدِهَا أَوْ بَطْنِهَا أَوْ صَدْرِهَا) وَنَحْوِهَا مِنْ كُلِّ عُضْوٍ لَا يُذْكَرْ لِلْكَرَامَةِ (ظِهَارٌ) لِأَنَّهُ عُضْوٌ يَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِهِ فَكَانَ كَالظَّهْرِ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بَعْدَهُ لَا بِرَجْعَةٍ وَلَا بِعَقْدٍ (قَوْلُهُ: بَلْ كَبِيرَةٌ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: لَوْلَا خُلُوُّ الِاعْتِقَادِ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ إحَالَةِ حُكْمِ اللَّهِ (قَوْلُهُ: لَمَّا ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ) خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي اسْمِهَا وَنَسَبِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: حَصَلَ) أَيْ الظِّهَارُ أَمَّا الْعَوْدُ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِمْسَاكِهَا بَعْدَ الْإِفَاقَةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ إرْثٍ) أَيْ أَوْ بِنَحْوِ بَيْعٍ ضِمْنِيٍّ أَوْ هِبَةٍ ضِمْنِيَّةٍ (قَوْلُهُ: كَمِنْ الرَّتْقَاءِ) أَيْ كَمَا لَا يَصِحُّ إيلَاؤُهُ مِنْ الرَّتْقَاءِ فَهُوَ مِثَالٌ لِلْمَنْفِيِّ.

(قَوْلُهُ الْمَعْهُودُ) أَيْ هُوَ الْمَعْهُودُ فَهُوَ بِالرَّفْعِ خَبَرُ أَنَّ (قَوْلُهُ وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: أَوْ نَفْسُك) أَيْ بِسُكُونِ الْفَاءِ، أَمَّا بِفَتْحِهَا فَلَا يَكُونُ بِهِ مُظَاهِرًا لِأَنَّ النَّفَسَ لَيْسَ جُزْءًا مِنْهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الصِّلَةَ) هِيَ عَلَيَّ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ الْجَدِيدُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْقَدِيمَ بِخِلَافِهِ وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِجَوَازِ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا عَلَى الْجَدِيدِ فَعَبَّرَ بِالْأَظْهَرِ نَظَرًا لَهُ (قَوْلُهُ أَنْتِ كَيَدِهَا) شَمَلَ الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْفَصِلَ اهـ سم عَلَى حَجّ: أَيْ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ لَا مِنْ بَابِ السِّرَايَةِ، وَعِبَارَةُ ع: قَوْلُهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ إلَخْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمْ يَتَعَرَّضُوا هُنَا لِكَوْنِ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ أَوْ السِّرَايَةِ، وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ مَجِيئُهُ اهـ. وَوَدَدْتُ لَوْ كَانَ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ الْآتِي وَقَوْلُهُ رَأْسُك أَوْ ظَهْرُك أَوْ يَدُك اهـ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ مَا اقْتَضَاهُ التَّشْبِيهُ عَلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَنَّ الرَّاجِحَ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ السِّرَايَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ لِمَقْطُوعَةِ يَمِينٍ يَمِينُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا (قَوْلُهُ: لَا يُذْكَرُ لِلْكَرَامَةِ) أَيْ وَهُوَ مِنْ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

فِي خُصَّ يَرْجِعُ لِلَفْظِ تَشْبِيهٍ وَفِي بِهِ لِلظَّهْرِ، وَلَفْظُ بِهِ لَيْسَ فِي عِبَارَةِ التُّحْفَةِ وَلَا غَيْرِهَا فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَجْنُونٌ مَثَلًا) الْأَوْلَى حَذْفُ مَثَلًا (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ إرْثِهِ لِمُسْلِمٍ) لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ وَهُوَ إنَّمَا احْتَاجُوا إلَيْهِ لِتَصْوِيرِ دُخُولِ الْمُسْلِمِ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ ابْتِدَاءً، فَيَكْفِي فِي التَّصْوِيرِ هُنَا أَنْ يَقُولَ بِأَنْ يُسْلِمَ عِنْدَهُ

[ظِهَارُ السَّكْرَانَ]

(قَوْلُهُ: كَظَهْرِ أُمِّهِ) لَعَلَّهُ كَظَهْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>