للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكْمُنَا بِصِحَّةِ صَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى الْقِبْلَةِ قَاعِدًا وَإِلَى غَيْرهَا قَائِمًا وَجَبَ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ فَرْضَ الْقِبْلَةِ آكَدُ مِنْ فَرْضِ الْقِيَامِ بِدَلِيلِ سُقُوطِهِ فِي النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرْضَ فِي حَقِّ الْقَرِيبِ مِنْ الْكَعْبَةِ إصَابَةُ عَيْنِهَا وَكَذَا الْبَعِيدُ فِي الْأَظْهَرِ، لَكِنْ فِي الْقُرْبِ يَقِينًا وَفِي الْبُعْدِ ظَنًّا، وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ السَّابِقُ «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» وَلَا صِحَّةَ صَلَاةِ الصَّفِّ الْمُسْتَطِيلِ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ لِأَنَّ الْمُسَامَتَةَ تَصْدُقُ مَعَ الْبُعْدِ.

وَرَدَّ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَصْدُقُ مَعَ الِانْحِرَافِ.

وَأَجَابَ ابْنُ الصَّبَّاغِ بِأَنَّ الْمُخْطِئَ فِيهَا غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ.

وَرَدَّهُ الْفَارِقِيُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ صَلَّى مَأْمُومًا فِي صَفٍّ مُسْتَطِيلٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ أَكْثَرُ مِنْ سَمْتِ الْكَعْبَةِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِخُرُوجِهِ أَوْ خُرُوجِ إمَامِهِ عَنْ سَمْتِهَا.

وَيُرَدُّ وَإِنْ نَقَلَهُ جَمْعٌ وَأَقَرُّوهُ بِأَنَّ اللَّازِمَ عَلَى تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْبُطْلَانِ خُرُوجُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ لَا بِعَيْنِهِ، فَالْمُبْطِلُ مُبْهَمٌ وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ نَظِيرَ مَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ صَلَّى لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ، وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ كَوْنِهِ مُسْلِمًا الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ الْمُسَامِتَ مِنْ غَيْرِهِ لِاتِّسَاعِ الْمَسَافَةِ مَعَ الْبُعْدِ، فَأَحَدُهُمَا وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ قَدْرُ سَمْتِ الْكَعْبَةِ مِرَارًا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَإِمَامُهُ مِنْ الْمُسَامِتِينَ وَلَا بُطْلَانَ مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ الْمُبْطِلِ (إلَّا فِي) صَلَاةِ (شِدَّةِ الْخَوْفِ)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَبَابُهُ ضَرَبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْوَاوِ كَانَ أَوْلَى

(قَوْلُهُ: وَجَبَ الْأَوَّلُ) أَيْ وَلَا إعَادَةَ كَالْمَرِيضِ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُسَامَتَةَ تَصْدُقُ) أَيْ لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ صَغِيرَ الْجُرْمِ كُلَّمَا زَادَ بُعْدُهُ اتَّسَعَتْ مُسَامَتَتُهُ كَالنَّارِ الْمُوقِدَةِ مِنْ بُعْدٍ وَغَرَضِ الرُّمَاةِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَرَدَ بِأَنَّهَا) أَيْ الْمُسَامَتَةَ (قَوْلُهُ وَأَجَابَ) أَيْ عَنْ الرَّدِّ (قَوْلُهُ: وَرَدُّهُ) أَيْ الْجَوَابُ (قَوْلُهُ: وَيُرَدُّ) أَيْ رَدَّ الْفَارِقِيُّ (قَوْلُهُ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ الْمُسَامَتَ مِنْ غَيْرِهِ) وَقَعَ مِثْلُهُ فِي حَجّ حَيْثُ قَالَ: وَصِحَّةُ صَلَاةِ الْمُسْتَطِيلِ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ مَحْمُولٌ عَلَى انْحِرَافٍ فِيهِ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُخْطِئَ فِيهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَكَتَبَ بِهَامِشِهِ سم مَا حَاصِلُهُ إنَّ هَذَا لَا يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِهِ: وَالْمُعْتَبَرُ مُسَامَتَتُهَا عُرْفًا لَا حَقِيقَةً اهـ.

يَعْنِي إنَّهُ إذَا قُلْنَا الْمُعْتَبَرُ مُسَامَتَتُهَا عُرْفًا وَهُوَ مَا عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ صَدَقَ عَلَى الْكُلِّ أَنَّهُمْ مُسْتَقْبِلُونَ كَذَلِكَ فَلَا يَتَأَتَّى حَمْلُهُ عَلَى الِانْحِرَافِ وَلَا عَلَى أَنَّ الْمُخْطِئَ فِيهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ إذْ الْكُلُّ مُسْتَقْبِلُونَ عُرْفًا (قَوْله إلَّا فِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ) قَضِيَّةُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ شِدَّةَ الْخَوْفِ لَا تَمْنَعُ مِنْ الْقُدْرَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ شِدَّةَ الْخَوْفِ مَانِعَةٌ شَرْعًا مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُدْرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ الْقُدْرَةُ الْحِسِّيَّةُ وَالْخَائِفُ قَادِرٌ حِسًّا وَيَرُدُّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[الْفَرْضَ فِي حَقِّ الْقَرِيبِ مِنْ الْكَعْبَةِ إصَابَةُ عَيْنِهَا]

قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُسَامَتَةَ تَصْدُقُ مَعَ الْبُعْدِ) الَّذِي يَصْدُقُ مَعَ الْبُعْدِ إنَّمَا هُوَ الْمُسَامَتَةُ الْعُرْفِيَّةُ لَا الْحَقِيقِيَّةُ كَمَا حَقَّقَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَحَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ الْمُسَامَتَةَ الْعُرْفِيَّةَ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي وَلَا يَحْتَاجُ لِلْجَوَابِ عَنْهُ، إذْ كُلُّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى إرَادَةِ الْمُسَامَتَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الْغَيْرِ الْمُخْتَلِفَةِ بِالْقُرْبِ، وَالْبُعْدِ (قَوْلُهُ: وَيَرِدُ إلَخْ) هَذَا لَا يُلَاقِي كَلَامَ الْفَارِقِيِّ كَمَا يُعْلَمُ بِالتَّأَمُّلِ.

وَقَوْلُهُ فَالْمُبْطِلُ مُبْهَمٌ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مُعَيَّنٌ وَإِنَّمَا الْمُبْهَمُ مَنْ حَصَلَ لَهُ الْمُبْطِلُ فِي صَلَاتِهِ مِنْهُمَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ أَنَّ ذَاكَ فِي كُلِّ اسْتِقْبَالٍ عَلَى حِدَتِهِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُصِيبٌ وَأَنَّهُ مُخْطِئٌ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْخَطَأُ فِي حَالَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَأَمَّا هُنَا، فَإِنَّا عَلَى تَسْلِيمِ مَا مَرَّ نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمُعَيَّنَةِ خَارِجٌ عَنْ سَمْتِ الْكَعْبَةِ وَلَا بُدَّ فَلَمْ تَصِحَّ الْقُدْوَةُ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّا مَتَى اعْتَبَرْنَا الْمُسَامَتَةَ الْحَقِيقِيَّةَ فَإِلْزَامُ الْفَارِقِيِّ لَا مَحِيدَ عَنْهُ، فَالْمُتَعَيَّنُ الِاكْتِفَاءُ بِالْمُسَامَتَةِ الْعُرْفِيَّةِ الَّتِي قَالَ بِهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَسَيُعَوِّلُ الشَّارِحُ عَلَيْهَا فِيمَا يَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ وَاسْتَقْبَلَ جِدَارَهَا إلَخْ (قَوْلُهُ: لِاتِّسَاعِ الْمَسَافَةِ) كَذَا فِي نُسَخٍ، وَالصَّوَابُ مَا فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى لِاتِّسَاعِ الْمُسَامَتَةِ (قَوْلُهُ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَإِمَامُهُ مِنْ الْمُسَامِتِينَ) إنْ أَرَادَ الْمُسَامَتَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَهُوَ الَّذِي يُوَافِقُهُ قَوْلُهُ: لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ الْمُسَامِتَ مِنْ غَيْرِهِ، فَالِاحْتِمَالُ مَمْنُوعٌ وَعَدَمُ مُسَامَتَةِ أَحَدِهِمَا أَمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُسَامَتَةَ الْعُرْفِيَّةَ، وَهُوَ الَّذِي يُوَافِقُهُ قَوْلُهُ: لِاتِّسَاعِ الْمَسَافَةِ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>