للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي صَلَاتِهِمْ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» وَيُكْرَهُ نَظَرُ مَا يُلْهِي عَنْهَا كَثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ لِخَبَرِ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ ذَاتُ أَعْلَامٍ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: أَلْهَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ، اذْهَبُوا بِهَا إلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّتِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

(وَ) يُكْرَهُ (كَفُّ شَعْرِهِ أَوْ ثَوْبِهِ) لِخَبَرِ «أُمِرْت أَنْ لَا أَكْفِتَ الشَّعْرَ أَوْ الثِّيَابَ» وَالْكَفْتُ بِمُثَنَّاةٍ فِي آخِرِهِ هُوَ الْجَمْعُ قَالَ تَعَالَى {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا} [المرسلات: ٢٥] {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: ٢٦] أَيْ جَامِعَةً لَهُمْ، وَمِنْهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يُصَلِّيَ وَشَعْرُهُ مَعْقُوصٌ أَوْ مَرْدُودٌ تَحْتَ عِمَامَتِهِ أَوْ ثَوْبُهُ أَوْ كُمُّهُ مُشَمَّرٌ، وَمِنْهُ شَدُّ الْوَسَطِ وَغَرْزُ الْعَذَبَةِ، وَالْمَعْنَى فِي النَّهْيِ عَنْ كَفِّ ذَلِكَ أَنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ: أَيْ غَالِبًا، وَلِهَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ وَفِي إبْهَامِهِ الْجِلْدَةُ الَّتِي يَجُرُّ بِهَا الْقَوْسَ، قَالَ: لِأَنِّي آمُرُهُ أَنْ يُفْضِيَ بُطُونَ كَفَّيْهِ إلَى الْأَرْضِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَإِنْ اقْتَضَى تَعْلِيلُهُمْ خِلَافَهُ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَخْصِيصُهُ فِي الشَّعْرِ بِالرَّجُلِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَفِي الْأَمْرِ بِنَقْضِهَا الضَّفَائِرَ مَشَقَّةٌ وَتَغْيِيرٌ لِهَيْئَتِهَا الْمُنَافِيَةِ لِلتَّجَمُّلِ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي الْإِحْيَاءِ، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْخُنْثَى بِهَا، وَيُسَنُّ لِمَنْ رَآهُ كَذَلِكَ، وَلَوْ مُصَلِّيًا آخَرَ أَنْ يَحِلَّهُ حَيْثُ لَا فِتْنَةً. نَعَمْ لَوْ بَادَرَ شَخْصٌ وَحَلَّ كُمَّهُ الْمُشَمَّرَ وَكَانَ فِيهِ مَالٌ وَتَلِفَ كَانَ ضَامِنًا لَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي جَرٍّ آخَرَ مِنْ الصَّفِّ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَقِيقٌ.

(وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ) لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ وَلِمُنَافَاتِهِ هَيْئَةَ الْخُشُوعِ (بِلَا حَاجَةٍ) هُوَ رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَهُ أَيْضًا فَعِنْدَهَا لَا كَرَاهَةَ كَأَنْ تَثَاءَبَ، بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْبَصَرِ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ لَتُخَطَّفَنَّ أَبْصَارُهُمْ بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَأَوْ لِلتَّخَيُّرِ تَهْدِيدًا، وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ. وَالْمَعْنَى: لَيَكُونَنَّ مِنْكُمْ الِانْتِهَاءُ عَنْ رَفْعِ الْبَصَرِ إلَى السَّمَاءِ أَوْ خَطْفُ الْأَبْصَارِ عِنْدَ رَفْعِهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا رَفْعُ الْبَصَرِ إلَى السَّمَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لِدُعَاءٍ وَنَحْوِهِ فَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ؛ لِأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدُّعَاءِ كَالْكَعْبَةِ قِبْلَةُ الصَّلَاةِ وَكَرِهَهُ آخَرُونَ. اهـ شَرْحُ الْبُخَارِيِّ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ اهـ زِيَادِيُّ.

وَفِي الشَّيْخِ عَمِيرَةَ فَائِدَةٌ: نَقَلَ الدَّمِيرِيِّ عَنْ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ قَالَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْمُقَ بِبَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: فِي صَلَاتِهِمْ) فَاشْتَدَّ: أَيْ قَوِيَ قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَيَنْتَهُنَّ. اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: قَالَ أَلْهَتْنِي إلَخْ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بَيَانًا لِلْغَيْرِ، وَإِلَّا فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُشْغِلُهُ شَيْءٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: إلَى أَبِي جَهْمٍ) هُوَ مُسْلِمٌ صَحَابِيٌّ إنَّمَا أَمَرَ بِدَفْعِهَا لَهُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ عِنْدِهِ: أَيْ وَدَفَعَهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا طَلَبَ الْأَنبَجانِيَّةَ جَبْرًا لِخَاطِرِهِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ بِدَفْعِهَا لَهُ رَدَّ هَدِيَّتِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بأَنبَجانيَّتِهِ) هِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْضًا كَمَا قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ وَنُقِلَ عَنْ النَّوَوِيِّ. وَأَغْرَبَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَقَالَ: إنَّمَا هِيَ مَنْبِجَانِيَّةٌ نِسْبَةٌ إلَى مَنْبِجٍ بَلَدٍ مَعْرُوفٍ بِالشَّامِ، وَمَنْ قَالَهَا بِهَمْزَةٍ أَوَّلِهِ فَقَدْ غَيَّرَ، وَنَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ.

(قَوْلُهُ: أَنْ لَا أَكْفِتُ) بَابُهُ ضَرَبَ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ شَدُّ الْوَسَطِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلَى الْجِلْدِ وَلَا يُنَافِيهِ الْعِلَّةُ لِجَوَازِ أَنَّهَا بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ (قَوْلُهُ: أَيْ غَالِبًا) خَرَجَتْ بِهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُ لَا سُجُودَ فِيهَا، وَمَعَ ذَلِكَ يُكْرَهُ كَفُّ الشَّعْرِ فِيهَا، لَكِنَّ مُقْتَضَى جَزْمِهِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْغَلَبَةِ مَنْقُولٌ وَعَلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ: الْآتِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنِّي آمُرُهُ أَنْ يُفْضِيَ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ مُبَاشَرَةِ جُزْءٍ مِنْ يَدِهِ لِلْأَرْضِ، وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِيهِ لَمْ يَبْعُدْ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ فِي أَنَّ مَنْ لَبِسَهُ لَا يَنْزِعُهُ نَوْمًا وَلَا يَقَظَةً، فَفِي تَكْلِيفِهِ قَلْعَهُ كُلَّ صَلَاةٍ نَوْعُ مَشَقَّةٍ، وَكَذَلِكَ الْجِلْدَةُ فَإِنَّهَا إنَّمَا تُلْبَسُ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا (قَوْلُهُ: فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) ، وَهَلْ يَجْرِي فِي الطَّوَافِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ لِلْكَفِّ فِي الطَّوَافِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ فِيهِ، وَهِيَ السُّجُودُ مَعَهُ، وَيُحْتَمَلُ الْكَرَاهَةُ أَخْذًا بِعُمُومِ حَدِيثِ. «الصَّلَاةُ بِمَنْزِلَةِ الطَّوَافِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ فِيهِ النُّطْقَ» . (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ لِمَنْ رَآهُ إلَخْ) مِنْهُ يُؤْخَذُ سَنُّ الْأَمْرِ بِفِعْلِ السُّنَنِ وَسَنُّ النَّهْيِ عَنْ مُخَالَفَتِهَا، وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ وَالنَّاهِي مِنْ الْآحَادِ.

(قَوْلُهُ: لَا كَرَاهَةَ) أَيْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[الِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ]

(قَوْلُهُ: وَفِي إبْهَامِهِ الْجِلْدَةُ) بَحَثَ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّ مِثْلَهَا الْخَاتَمُ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ التَّخَتُّمَ مَطْلُوبٌ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>